السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ وقهم السيئات } أي : بأن تجعل بينهم وبينها وقاية بأن تطهرهم من الأخلاق الحاملة عليها ، فإن قيل : هذا مكرر مع قوله : { وقهم عذاب الجحيم } ؟ أجيب : بأن التفاوت حاصل من وجهين : أحدهما : أن يكون قولهم وقهم عذاب الجحيم دعاء مذكوراً للأصول وقولهم : وقهم السيئات دعاء مذكوراً للفروع وهم الآباء والأزواج والذريات ، ثانيهما : أن يكون قوله : { وقهم عذاب الجحيم } مقصوراً على إزالة عذاب الجحيم وقوله : { وقهم السيئات } يتناول عذاب الجحيم وعذاب موقف يوم القيامة والسؤال والحساب ، فيكون تعميماً بعد تخصيص وهذا أولى . وقال بعض المفسرين : إن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار عنهم بقولهم وقهم عذاب الجحيم ، وطلبوا إيصال الثواب إليهم بقولهم : وأدخلهم جنات عدن ، ثم طلبوا بعد ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا من العقائد الفاسدة بقولهم وقهم السيئات . وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الميم والهاء ، وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم والباقون بكسر الهاء وضم الميم . ثم قالت الملائكة : { ومن تق السيئات } أي : جزاءها كلها { يومئذ } أي : يوم تدخل فريقاً الجنة وفريقاً النار المسببة عن السيئات وهو يوم القيامة { فقد رحمته } أي : الرحمة الكاملة التي لا يستحق غيرها معها أن يسمى رحمة فإن تمام النعيم لا يكون إلا بها لزوال التحاسد والتباغض والنجاة من النار باجتناب السيئات ولذلك قالوا : { وذلك } أي : الأمر العظيم جداً { هو الفوز العظيم } أي : النعيم الذي لا ينقطع في جوار ملك لا تصل العقول إلى كنه عظمته وإجلاله هذا آخر دعاء الملائكة للمؤمنين ، قال مطرف : أنصح عباد الله تعالى للمؤمنين الملائكة وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين .