قوله تعالى : { ثم عفونا عنكم } . محونا ذنوبكم .
قوله تعالى : { من بعد ذلك } . من بعد عبادتكم العجل .
قوله تعالى : { لعلكم تشكرون } . لكي تشكروا عفوي عنكم ، وصنيعي إليكم ، قيل : الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية قال الحسن : شكر النعمة ذكرها قال الله تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) قال الفضيل : شكر كل نعمة أن لا يعصي الله بعد تلك النعمة . وقيل : حقيقة الشكر العجز عن الشكر .
حكي أن موسى عليه السلام قال : إلهي ! أنعمت علي النعم السوابغ ، وأمرتني بالشكر ، وإنما شكري إياك نعمة منك ، قال الله تعالى : يا موسى تعلمت العلم الذي لا يفوقه شيء من علم ، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو مني .
وقال داود : سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً ، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة .
يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم ، لَمَّا عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه ، عند انقضاء أمَد المواعدة ، وكانت أربعين يومًا ، وهي المذكورة في الأعراف ، في قوله تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [ الأعراف : 142 ] قيل : إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر .
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 52 )
والعفو تغطية الأثر وإذهاب الحال الأولى من الذنب أو غيره ، ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب وعفا عنهم عز وجل أي عمن بقي منهم لم يقتل ، و { لعلكم } ترج لهم في حقهم وتوقع منهم لا في حق الله عز جل ، لأنه كان يعلم ما يكون منهم .
وقوله : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك } هو محل المنة ، وعطفه بثم لتراخي رتبة هذا العفو في أنه أعظم من جميع تلك النعم التي سبق عدها ففيه زيادة المنة فالمقصود من الكلام هو المعطوف بثم وأما ما سبق من قوله : { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } إلخ فهو تمهيد له وتوصيف لما حفّ بهذا العفو من عظم الذنب . وقوله : { من بعد ذلك } حال من ضمير « عفونا » مقيدة للعفو إعجاباً به أي هو عفو حال حصوله بعد ذلك الذنب العظيم وليس ظرفاً لغواً متعلقاً بعفونا حتى يقال : إن ثم دلت على معناه فيكون تأكيداً لمدلول ثم تأخير العفو فيه وإظهار شناعته بتأخير العفو عنه وإنما جاء قوله ذلك مقترناً بكاف خطاب الواحد في خطاب الجماعة لأن ذلك لكونه أكثر أسماء الإشارة استعمالاً بالإفراد إذ خطاب المفرد أكثر غلب فاستعمل لخطاب الجمع تنبيهاً على أن الكاف قد خرجت عن قصد الخطاب إلى معنى البعد ومثل هذا في كلام العرب كثير لأن التثنية والجمع شيآن خلاف الأصل لا يصار إليهما إلا عند تعيين معناهما فإذا لم يقصد تعيين معناهما فالمصير إليهما اختيار محض .
وقوله : { لعلكم تشكرون } رجاء لحصول شكركم ، وعدل عن لام التعليل إيماء إلى أن شكرهم مع ذلك أمر يتطرقه احتمال التخلف فذكر حرف الرجاء دون حرف التعليل من بديع البلاغة فتفسير لعل بمعنى لكي يفيت هذه الخصوصية وقد تقدم كيفية دلالة لعل على الرجاء في كلام الله تعالى عند قوله : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم إلى قوله لعلكم تتقون } [ البقرة : 20 ] . ومعنى الشكر تقدم في قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 2 ] وللغزالي فيه باب حافل عدلنا عن ذكره لطوله فارجع إليه في كتاب « الإحياء » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.