{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم } أي تركناكم فلم نستأصلكم ، من قول له عليه السلام : أحفوا الشّوارب واعفوا اللحي ، وقيل : محونا ذنوبكم ، من قول العرب : عفت الرّيح المنازل فعفت . { مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } أي من بعد عبادتكم العجل . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لكي تشكروا عفوي عنكم ، وصنيعي إليكم .
واختلف العلماء في ماهيّة الشكر ، فقال ابن عباس : هو الطاعة بجميع الجوارح لربّ الخلائق في السر والعلانية .
وقال الحسن : شكر النعمة ذكرها ، قال الله تعالى : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [ الضحى : 11 ] .
الفضل : شكر كل نعمة ألاّ يُعصى الله بعد تلك النعمة .
أبو بكر بن محمد بن عمر الوراق : حقيقة الشكر : معرفة المُنعم ، وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّاً بل تراها من الله عزّ وجلّ . قال الله تعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [ النحل : 53 ] يدل عليه ما روى سيف بن ميمون عن الحسين : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال موسى عليه السلام : يا ربّ كيف استطاع آدم أنْ يؤدي شكر ما أجريت عليه من نعمك ، خلقته بيدك واسجدت له ملائكتك واسكنته جنَّتك ؟ فأوحى الله إليه : إنّ آدم علم إنّ ذلك كله منّي ومن عندي فذلك شكر " .
وعن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخرساني عن وهب بن منبّه قال : قال داود عليه السلام : إلهي كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصِلُ إلى شكرك إلاّ بنعمتك ؟ فأوحى الله تعالى إليه : ألست تعلم أنّ الذي بك من النعم منّي ؟ قال : بلى يا ربّ ، قال : أرضى بذلك لك شكراً .
وقال وهب : وكذلك قال موسى : يا ربّ أنعمت عليّ بالنعم السوابغ وأمرتني بالشكر لك عليها ، وإنما شكري لكل نعمة منك عليّ ، فقال الله : يا موسى تعلّمت العلم الذي لا يفوته علم ، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو منّي ومن عندي .
قال الجنيد : حقيقة الشكر : العجز عن الشكر .
وروى ذلك عن داود عليه السلام إنّه قال : سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً ، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة .
وقال بعضهم : الشكر أن لا يرى النعمة البتة بل يرى المنعم .
أبو عثمان الخيري : صدق الشكر : لا تمدح بلسانك غير المنعم .
أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي بكر الرازي عن الشبلي : الشكر : التواضع تحت رؤية المنّة .
وقيل : الشكر خمسة أشياء : مجانبة السيئات ، والمحافظة على الحسنات ، ومخالفة الشهوات ، وبذل الطاعات ، ومراقبة ربّ السموات .
قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سُئل أبو الحسن علي بن عبد الرحيم القناد في الجامع بحضرة أبي بكر بن عدوس وأنا حاضر : من أشكر الشاكرين ؟ قال : الطاهر من الذنوب ، يعدُّ نفسه من المذنبين ، والمجتهد في النوافل بعداد الفرائض ، يعدُّ نفسه من المقصّرين ، والراضي بالقليل من الدُّنيا ، يعدُ نفسهُ من المفلسين ، فهذا أشكر الشاكرين .
بكر بن عبد الرحمن عن ذي النّور : الشكر لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإحسان والإفضال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.