لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (52)

{ ثم عفونا عنكم } أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم { من بعد ذلك } أي من بعد عبادتكم العجل { لعلكم تشكرون } أي لكي تشكروا عفوي عنكم ، وحسن صنيعي إليكم .

وأصل الشكر هو تصور النعمة وإظهارها ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، والشكر على ثلاث أضرب : شكر القلب وهو تصور النعمة . وشكر اللسان وهو الثناء على النعمة . وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها ، وقيل الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية ؛ وقيل : حقيقة الشكر العجز عن الشكر . وحكي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : إلهي أنعمت عليّ النعم السوابغ وأمرتني بالشكر وإنما شكري إياك نعمة منك فأوحى الله تعالى إليه يا موسى تعلمت العلم الذي لا فوقه علم حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهي مني . وقال داود عليه الصلاة والسلام : سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة وقال الفضيل : شكر كل نعمة أن لا يعصى بعدها بتلك النعمة وقيل شكر النعمة ذكرها وقيل : شكر النعمة أن لا يراها البتة ويرى المنعم وقيل الشكر لمن فوقك بالطاعة والثناء ولنظيرك بالمكافأة ولمن دونك بالإحسان والإفضال .