تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (52)

الآية 52 وقوله عز وجل : ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك ) الآية{[769]} ، تنقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يزعمون أن الله إذا علم من أحد أنه يؤمن به ، في آخر عمره ، وإن طال ، أو يكون في {[770]} نسله من يؤمن إلى آخر الأبد ، لم يكن له أن يميته ، ولا له أن يقطع نسله . فإذا كان على الله أن يبقيهم ، ولا يقطع نسلهم ، لم يكن للامتنان عليهم ولا للإفضال وطلب الشكر منهم معنى ، إذ فعل عز وجل{[771]} ما عليه أن يفعل ، وكل من فعل ما عليه أن يفعل لم يكن فعله فعل امتنان ولا فعل إفضال ؛ لأنه عز وجل من عليهم بالعفو [ عنهم ، حين لم يستأصلهم ، وتركهم حتى تناسلوا ، وتوالدوا ، ثم وجه الإفضال والامتنان على هؤلاء ، وإن كان ذلك العفو ]{[772]} لآبائهم ؛ لأنه لو أهلك آباءهم ، وقطع تناسلهم ، انقرضوا ، وتفانوا ، ولم يتوالدوا . فالمنة{[773]} عليهم حصلت ؛ لذلك طلبهم بالشكر له . والله أعلم .

فإذا كان هذا ما وصفنا دل أن ليس على الله أن يفعل الأصلح{[774]} لهم في الدين ؛ وبالله التوفيق .

وقوله ( لعلكم تشكرون ) أي لكي تشكروا . وكذلك قوله : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] أي لكي يوحدوني{[775]} . وذلك يحتمل [ وجوها : يحتمل ]{[776]} أن يشهد خلقه كل أحد على وحدانيته ، وكذلك يشكر خلقه كل أحد له ، ويحتمل عبادة الأخيار{[777]} بوحدانيته والشكر له بما أنعم ، وأفضل عليه ؛ وذلك يرجع إلى من يعبد ، ويوحد ، ويحتمل [ أنه ]{[778]} خلقهم ليأمرهم بالعبادة والشكر له ؛ من احتمل منهم الأمر بذلك .


[769]:- في ط ع: لأنه.
[770]:- من ط م و ط ع: من.
[771]:- في ط م: جل وعز.
[772]:- من ط م.
[773]:- في ط ع: فالسنة.
[774]:- من ط م و ط ع، في الأصل: الأصح.
[775]:- في الأصل و ط م: يوحدون، في ط ع: يوحدوا.
[776]:- من ط م.
[777]:- في ط م: الإخبار.
[778]:- من ط م.