عفا : بمعنى كثر ، فلا يتعدى حتى عفوا ، وقالوا : وبمعنى درس ، فيكون لازماً متعدياً نحو : عفت الديار ، ونحو : عفاها الريح ، وعفا عن زيد : لم يؤاخذه بجريمته ، واعفوا عن اللحى ، أي اتركوها ولا تأخذوا منها شيئاً ، ورجل عفوّ ، والجمع عفو على فعل بإسكان العين ، وهو جميع شاذ ، والعفاء : الشعر الكثير ، قال الشاعر :
ويقال في الدعاء على الشخص : عليه العفاء ، قال :
يريد الدروس ، وتأتي عفا : بمعنى سهل من قولهم : خذ ما عفا وصفا ، وأخذت عفوه : أي ما سهل عليه ، { ماذا ينفقون قل العفو } أي الفضل الذي يسهل إعطاؤه ، ومنه : خذ العفو ، أي السهل على أحد الأقوال ، والعافية : الحالة السهلة السمحة .
الشكر : الثناء على إسداء النعم ، وفعلة : شكر يشكر شكراً وشكوراً ، ويتعدى لواحد تارة بنفسه وتارة بحرف جر ، وهو من ألفاظ مسموعة تحفظ ولا يقاس عليها ، وهو قسم برأسه ، تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف جر على حد سواء ، خلافاً لمن زعم استحالة ذلك .
وكان شيخنا أبو الحسين بن أبي الربيع يذهب إلى أن شكر أصله أن يتعدى بحرف جر ، ثم أسقط اتساعاً .
وقيل : الشكر : إظهار النعمة من قولهم : شكرت الرمكة مهرها إذا أظهرته ، والشكير : صغار الورق يظهر من أثر الماء ، قال الشاعر :
وبينا الفتى يهتز للعيش ناضراً *** كعسلوجة يهتز منها شكيرها
ألان ادلاج بك العتير *** والرأس إذ صار له شكير
وناقة شكور تذر أكثر مما رعت***
{ ثم عفونا عنكم } : تقدّمت معاني عفا ، ويحتمل أن يكون عفا عنه من باب المحو والإذهاب ، أو من باب الترك ، أو من باب السهولة ، والعفو والصفح متقاربان في المعنى .
وقال قوم : لا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب ، فإن كان العفو هنا بمعنى الترك أو التسهيل ، فيكون عنكم عام اللفظ خاص المعنى ، لأن العفو إنما كان عمن بقي منهم ، وإن كان بمعنى المحو ، كان عاماً لفظاً ومعنى ، فإنه تعالى تاب على من قتل ، وعلى من بقي ، قال تعالى : { فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم } وروي أن الله أوحى إلى موسى بعد قتلهم أنفسهم أني قبلت توبتهم فمن قتل فهو شهيد ، ومن لم يقتل فقد تبت عليه وغفرت له .
وقالت المعتزلة : عفونا عنكم ، أي بسبب إتيانكم بالتوبة ، وهي قتل بعضهم بعضاً : { من بعد ذلك } إشارة إلى اتخاذ العجل ، وقيل : إلى قتلهم أنفسهم ، والأوّل أظهر .
{ لعلكم } : تقدّم الكلام في لعل في قوله : { لعلكم تتقون } ، لغة ودلالة معنى بالنسبة إلى الله تعالى ، فأغنى عن إعادته .
{ تشكرون } : أي تثنون عليه تعالى بإسدائه نعمه إليكم ، وتظهرن النعمة بالثناء ، وقالوا : الشكر باللسان ، وهو الحديث بنعمة المنعم ، والثناء عليه بذلك وبالقلب ، وهو اعتقاد حق المنعم على المنعَم عليه ، وبالعمل { اعملوا آل داود شكراً } وبالله أي شكراً لله بالله لأنه لا يشكره حق شكره إلا هو ، وقال بعضهم :
وشكر ذوي الإحسان بالقول تارة *** وبالقلب أخرى ثم بالعمل الأسنى
وشكري لربي لا بقلبي وطاعتي *** ولا بلساني بل به شكره عنا
ومعنى لعلكم تشكرون : أي عفو الله عنكم ، لأن العفو يقتضي الشكر ، قاله الجمهور ، أو تظهرون نعمة الله عليكم في العفو ، أو تعترفون بنعمتي ، أو تديمون طاعتي ، أو تقرون بعجزكم عن شكري أربعة أقوال : وقال ابن عباس : الشكر طاعة الجوارح .
وقال الجنيد : الشكر هو العجز عن الشكر .
وقال الشبلي : التواضع تحت رؤية المنة .
وقال الفضيل : أن لا تعصي الله .
وقال أبو بكر الورّاق أن تعرف النعمة من الله .
وقال ذو النون : الشكر لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإحسان .
قال القشيري : سرعة العفو عن عظيم الجرم دالة على حقارة المعفو عنه ، يشهد لذلك { من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ، وهؤلاء بنو إسرائيل عبدوا العجل فقال تعالى : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك } ، وقال لهذه الأمة : { ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره } انتهى كلامه .
وناسب ترجي الشكر إثر ذكر العفو ، لأن العفو عن مثل هذه الزلة العظيمة التي هي اتخاذ العجل إلهاً هو من أعظم ، أو أعظم إسداء النعم ، فلذلك قال : { لعلكم تشكرون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.