أما قوله تعالى : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك } فقالت المعتزلة : المراد ثم عفونا عنكم بسبب إتيانكم بالتوبة وهي قتل بعضهم بعضا ، وهذا ضعيف من وجهين ، ( الأول ) : أن قبول التوبة واجب عقلا فلو كان المراد ذلك لما جاز عده في معرض الإنعام لأن أداء الواجب لا يعد من باب الإنعام والمقصود من هذه الآيات تعديد نعم الله تعالى عليهم . ( الثاني ) : أن العفو اسم لإسقاط العقاب المستحق فأما إسقاط ما يجب إسقاطه فذاك لا يسمى عفوا ألا ترى أن الظالم لما لم يجز له تعذيب المظلوم ، فإذا ترك ذلك العذاب لا يسمى ذلك الترك عفوا فكذا ههنا ، وإذا ثبت هذا فنقول لا شك في حصول التوبة في هذه الصورة لقوله تعالى : { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } وإذا كان كذلك دلت هذه الآية على أن قبول التوبة غير واجب عقلا ، وإذا ثبت ذلك ثبت أيضا أنه تعالى قد أسقط عقاب من يجوز عقابه عقلا وشرعا ، وذلك أيضا خلاف قول المعتزلة ، وإذا ثبت أنه تعالى عفا عن كفار قوم موسى فلأن يعفو عن فساق أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم : { خير أمة أخرجت للناس } كان أولى .
أما قوله تعالى : { لعلكم تشكرون } فاعلم أن الكلام في تفسير «لعل » قد تقدم في قوله : { لعلكم تتقون } وأما الكلام في حقيقة الشكر وماهيته فطويل وسيجيء إن شاء الله تعالى ، ثم قالت المعتزلة : إنه تعالى بين أنه إنما عفا عنهم ولم يؤاخذهم لكي يشكروا ، وذلك يدل على أنه تعالى لم يرد منهم إلا الشكر ، والجواب : لو أراد الله تعالى منهم الشكر لأراد ذلك إما بشرط أن يحصل للشاكر داعية الشكر أولا بهذا الشرط ، والأول باطل إذ لو أراد ذلك بهذا الشرط فإن كان هذا الشرط من العبد لزم افتقار الداعية إلى داعية أخرى ، وإن كان من الله فحيث خلق الله الداعي حصل الشكر لا محالة وحيث لم يخلق الداعي استحال حصول الشكر ، وذلك ضد قول المعتزلة وإن أراد حصول الشكر منه من غير هذه الداعية فقد أراد منه المحال لأن الفعل بدون الداعي محال فثبت أن الإشكال وارد عليهم أيضا والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.