قوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } ، يقول : واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم { فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } ، قال ابن عباس : كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم . وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة ، فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس ، { ففسق } أي : خرج ، { عن أمر ربه } عن طاعة ربه { أفتتخذونه } يعني يا بني آدم { وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو } أي : أعداء . روى مجاهد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوماً إذ أقبل رجل فقال : أخبرني هل لإبليس زوجة ؟ قلت : إن ذلك العرس ما شهدته ، ثم ذكرت قوله تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) ، فعلمت أنه لا تكون الذرية إلا من الزوجة ، فقلت : نعم . وقال قتادة : يتوالدون كما يتوالد بنو آدم . وقيل : إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين . قال مجاهد : من ذرية إبليس لاقيس وولهان ، وهما صاحبا الطهارة والصلاة ، والهفاف و مرة وبه يكنى ، وزلنبور وهو صاحب الأًسواق ، يزين اللغو والحلف الكاذبة ومدح السلع ، وثبر وهو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب ، والأعور وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة ، ومطوس وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس ، لا يجدون لها أصلاً ، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع أو يحتبس موضعه ، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه . قال الأعمش : ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم ، فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم ، ثم أذكر اسم الله فأقول : داسم داسم . وروي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان . فاتقوا وسواس الماء " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنبأنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن خلف الباهلي ، أنبأنا عبد الأعلى ، عن سعيد الحريري ، عن أبي العلاء ، أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي ، يلبسها علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثاً ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً ، يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئاً ، قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت " . قال الأعمش : أراه قال : فيلتزمه . قوله تعالى : { بئس للظالمين بدلاً } ، قال قتادة : بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم .
فقوله - سبحانه - : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ } تذكير لبنى آدم بالعداوة القديمة بين أبيهم آدم وبين إبليس وذريته .
والمقصود بهذا التذكير تحذيرهم من وساوسه ، وحضهم على مخالفته ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير } والملائكة : جمع ملك . وهم - كما وصفهم الله تعالى - : { لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وآدم : اسم لأبى البشر ، قيل : إنه اسم عبرانى مشتق من أدمه بمعنى التراب .
والسجود لغة : التذلل والخضوع . وخص فى الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة .
وإبليس اسم مشتق من الإِبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمى . ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة .
والمعنى - واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ ، وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، سجود تحية واحترام وتوقير ، لا سجود عبادة وطاعة لأن ذلك لا يكون إلا لله رب العالمين . فامتثلوا أمرنا وسجدوا جميعاً ، كما قال - تعالى - : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } وجاء العطف فى قوله { فسجدوا } بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإِشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، استجابة لأمر خالقهم - عز وجل .
وقوله - تعالى - { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } بيان لموقف إبليس من أمر الله تعالى ، وهو أنه أبى واستكبر وامتنع عن السجود لآدم . وظاهر الآية يفيد أن سبب فسقه عن أمر ربه : كونه من الجن لا من الملائكة إذ من المقرر فى علم الأصول ؛ أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل ، كما فى قولهم ، سرق فقطعت يده .
والمعنى : امتثل الملائكة جميعاً أمرنا فسجدوا لآدم ، إلا إبليس فإنه أبى واستكبر ولم يسجد ؛ لأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } أى . فخرج بذلك عن طاعتنا ، واستحق لعنتنا وغضبنا .
وأصل الفسق : الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم : فسق الرطب فسوقا إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر ، فيقال للعاصى فاسق ، وللكافر فاسق .
قال بعض العلماء ما ملخصه : والخلاف فى كون إبليس من الملائكة أولا مشهور عند أهل العلم .
وحجة من قال إنه ليس منهم أمران : أحدهما : عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذى ارتكبه إبليس ، فهم - كما قال الله عنهم : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } والثانى : أن الله - تعالى - صرح فى هذه الآية الكريمة بأنه كان من الجن ، والجن غير الملائكة . قالوا : وهو نص قرآنى فى محل النزاع .
واحتج من قال بأنه منهم ، بما تكرر فى الآيات القرآنية من قوله : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ }
قالوا : فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم ، والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص ومن المعلوم أن الأصل فى الاستثناء الاتصال لا الانقطاع .
قالوا : ولا حجة لمن خالفنا فى قوله - تعالى - { كَانَ مِنَ الجن } ، لأن الجن قبيلة من الملائكة ، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم .
وأظهر الحجج فى المسألة . حجة من قال : إنه ليس من الملائكة ، لأن قوله - تعالى - { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن } هو أظهر شئ فى الموضوع من نصوص الوحى ، والعلم عند الله - تعالى - .
ومن المفسرين الذين يدل كلامهم على أن إبليس لم يكن من الملائكة . الإِمام ابن كثير ، فقد قال - رحمه الله - قوله : { فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن } أى : خانه أصله ، فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، كما ثبت فى صحيح مسلم ، عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة ، وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك فلهذا دخل فى خطابهم ، وعصى بالمخالفة .
ونبه - تعالى - هاهنا على أنه { من الجن } أى : " أنه خلق من نار . . " .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالإِنكار والتوبيخ والتعجيب ممن يتبع خطوات إبليس وذريته فقال : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } .
أى : أفبعد أن ظهر لكم - يا بنى آدم - ما ظهر من فسوق إبليس عن أمر ربه ، تتخذونه وذريته الذين نهجوا نهجه ، أولياء ، وأصفياء من دونى ، فتطيعونهم بدل أن تطيعونى ، والحال أن إبليس وذريته لكم عدو ؟
لا شك أن من يفعل ذلك منكم يكون قد استبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير ، وآثر الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والفسوق على الإِيمان ! ! .
فالجملة الكريمة تستبعد من كل عاقل ، أن يطيع إبليس وذريته ، بعد أن تبين له عداوتهم إياه ، وحرصهم على إيقاعه فى موارد الهلكة والسوء .
وقوله : { وذريته } يدل على أن لإِبليس ذرية ، إلا أن الطريقة التى بواسطتها كانت له الذرية ، لم يرد بها نص صحيح يعتمد عليه ، لذا وجب تفويض علمها إلى - الله تعالى - .
قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية : والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أن له أولادا ، وبذلك قال جماعة . . وعن قتادة أنه قال : إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم .
ثم قال الآلوسى : ولا يلزمنا أن نعلم كيفية ولادته ، فكثير من الأشياء مجهول الكيفية عندنا ، ونقول به .
وقوله - تعالى - : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } حكم منه - سبحانه - بسوء التفكير والمصير على المتخذين إبليس وذريته أولياء من دونه - تعالى - وبئس فعل يفيد الذم ، والبدل : العوض عن الشئ .
أى بئس للظالمين ، الواضعين الشئ فى غير موضعه ، ما فعلوه من تركهم طاعة الله - تعالى - وأخذهم فى مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته .
والمخصوص بالذم محذوف دل عليه المقام والتقدير : بئس البدل والعوض عن طاعة الله - تعالى - طاعة إبليس وذريته .
هؤلاء المجرمون الذين وقفوا ذلك الموقف كانوا يعرفون أن الشيطان عدولهم ، ولكنهم تولوه فقادهم إلى ذلك الموقف العصيب . فما أعجب أن يتولوا إبليس وذريته وهم لهم عدو منذ ما كان بين آدم وإبليس :
( وإذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه . أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ، وهم لكم عدو ، بئس للظالمين بدلا ) .
وهذه الإشارة إلى تلك القصة القديمة تجيء هنا للتعجيب من أبناء آدم الذين يتخذون ذرية إبليس أولياء من دون الله بعد ذلك العداء القديم .
واتخاذ إبليس وذريته أولياء يتمثل في تلبية دواعي المعصية والتولي عن دواعي الطاعة .
يقول تعالى منبهًا بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم ، ومقرعًا لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه ، الذي أنشأه وابتداه ، وبألطاف رزقه وغذاه ، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله ، فقال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ } أي : لجميع الملائكة ، كما تقدم تقريره في أول سورة " البقرة " {[18251]} .
{ اسْجُدُوا لآدَمَ } أي : سجود تشريف وتكريم وتعظيم ، كما قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ، 28 ]
وقوله { فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ } أي : خانه أصله ؛ فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خُلِقت الملائكة من نور ، وخُلق إبليس من مارج من نار ، خُلق{[18252]} آدم مما وصف لكم " {[18253]} . فعند الحاجة نضح{[18254]} كل وعاء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه كان قد تَوَسَّم بأفعال الملائكة وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك ، فلهذا دخل في خطابهم ، وعصى بالمخالفة .
ونبه تعالى هاهنا على أنه { مِنَ الْجِنِّ } أي : إنه خُلِق من نار ، كما قال : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ الأعراف : 12 ، ص : 76 ]
قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قَط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم ، عليه السلام ، أصل البشر . رواه ابن جرير بإسناد صحيح [ عنه ]{[18255]} {[18256]} .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة ، يقال لهم : الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة - قال : وكان اسمه الحارث ، وكان خازنًا من خزان الجنة ، وخُلقت الملائكة من نور غير هذا الحي - قال : وخلقت الجن الذين ذُكروا في القرآن من مارج من نار . وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت .
وقال الضحاك أيضًا ، عن ابن عباس : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنًا على الجنان ، وكان له سلطان [ السماء ]{[18257]} الدنيا وسلطان الأرض ، وكان مما سولت له نفسه ، من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفًا على أهل السماء ، فوقع من ذلك في قلبه كبر{[18258]} لا يعلمه إلا الله . فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين{[18259]} أمره بالسجود لآدم " فاستكبر ، وكان من الكافرين . قال ابن عباس : وقوله : { كَانَ مِنَ الْجِنِّ } أي : من خزان [ الجنان ، كما يقال للرجل : مكي ، ومدني ، وبصري ، وكوفي . وقال ابن جريج ، عن ابن عباس ، نحو ذلك .
وقال سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : هو من خزان ]{[18260]} الجنة ، وكان يدبر أمر السماء الدنيا ، رواه ابن جرير من حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، به .
وقال سعيد بن المسيب : كان رئيس ملائكة سماء{[18261]} الدنيا .
وقال ابن إسحاق ، عن خَلاد بن{[18262]} عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان إبليس - قبل أن يركب المعصية - من الملائكة ، اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض . وكان من أشد الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا . فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .
وقال ابن جُرَيْج ، عن صالح مولى التَّوْأمة وشريك بن أبي نَمِر ، أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال : إن من الملائكة قبيلة من الجن ، وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض . فعصى ، فسخط الله عليه ، فمسخه شيطانًا رجيمًا - لعنه الله - ممسوخًا ، قال : وإذا كانت خطيئة الرجل في كِبْر فلا تَرْجُه ، وإذا كانت في معصية فارجه .
وعن سعيد بن جُبَيْر أنه قال : كان من الجنانين ، الذين يعملون في الجنة .
وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها . ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غُنْيَةٌ عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين يَنْفُون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، كما لهذه [ الأمة من ]{[18263]} الأئمة والعلماء ، والسادة الأتقياء والأبرار والنجباء{[18264]} من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد ، الذين دونوا الحديث وحرروه ، وبينوا صحيحه من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره وموضوعه ، ومتروكه ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال ، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي ، خاتم الرسل ، وسيد البشر [ عليه أفضل التحيات والصلوات والتسليمات ]{[18265]} ، أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس [ منه ]{[18266]} ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل .
وقوله : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } أي : فخرج عن طاعة الله ؛ فإن الفسق هو الخروج ، يقال{[18267]} فَسَقت الرُّطَبة : إذا خرجت من أكمامها{[18268]} وفسقت الفأرة من جُحْرها : إذا خرجت منه للعيث{[18269]} والفساد .
ثم قال تعالى مقرعًا وموبخًا لمن اتبعه وأطاعه : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي } أي : بدلا عني ؛ ولهذا قال : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا }
وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة يس : { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ } [ يس : 59 - 62 ] .
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس } كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال ، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس ، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان . زهدهم أولا في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها ، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن . { كان من الجنّ } حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل : ما له لم يسجد فقيل كان من الجن . { ففسق عن أمر ربه } فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب ، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى البتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة " البقرة " . { أفتتخذونه } أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإنكار والتعجب . { وذرّيته } أولاده أو أتباعه ، وسماهم ذرية مجازاً . { أولياء من دوني } فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي . { وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً } من الله تعالى إبليس وذريته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإذ قلنا للملائكة}، يعني: وقد قلنا للملائكة: {اسجدوا لآدم فسجدوا}، ثم استثنى، فقال: {إلا إبليس كان من الجن}...
{ففسق عن أمر ربه}، يعني: فعصى تكبرا عن أمر ربه حين أمره بالسجود لآدم، قال الله عز وجل: {أفتتخذونه}، يعني: إبليس، {وذريته}، يعنى الشياطين،
{أولياء من دوني}، يعني: آلهة من دوني،
{وهم لكم عدو}، يعني: إبليس والشياطين لكم معشر بني آدم عدو،
{بئس للظالمين}، يعني: المشركين،
{بدلا}، يقول: بئس ما استبدلوا بعبادة الله عز وجل، عبادة إبليس، فبئس البدل هذا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مذكّرا هؤلاء المشركين حسد إبليس أباهم ومعلمهم ما كان منه من كبره واستكباره عليه حين أمره بالسجود له، وأنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان عليه لأبيهم: وَ اذكر يا محمد "إذْ قُلْنا للْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِيسَ "الذي يطيعه هؤلاء المشركون ويتبعون أمره، ويخالفون أمر الله، فإنه لم يسجد له استكبارا على الله، وحسدا لآدم "كانَ مِنَ الجِنّ"...
وقوله: "فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ" يقول: فخرج عن أمر ربه، وعدل عنه ومال...الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة. ويُحكى عن العرب سماعا: فسقت الرطبة من قشرها، إذا خرجت منه، وفسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها... وقوله: "أفَتَتّخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ" يقول تعالى ذكره: أفتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وحسده، وكفر نعمتي عليه، وغرّه حتى أخرجه من الجنة ونعيم عيشه فيها إلى الأرض وضيق العيش فيها، وتطيعونه وذرّيته من دون الله مع عدواته لكم قديما وحديثا، وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم عليكم وأكرمكم، بأن أسجد لوالدكم ملائكته، وأسكنه جناته، وآتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده، وذرّية إبليس: الشياطين الذين يغرّون بني آدم...
وقوله: "بِئْسَ للظّالِمينَ بَدَلاً" يقول عزّ ذكره: بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذرّيته أولياء من دون الله، وهم لكم عدّو من تركهم اتخاذ الله وليا باتباعهم أمره ونهيه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم، المتفضّل عليهم من الفواضل ما لا يحصى بدلاً...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{كَانَ مِنَ الجن} كلام مستأنف جارٍ مَجرَى التقليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كأن قائلاً قال: ما له لم يَسْجُدْ؟ فقيل: كان من الجن {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} والفاء للتسبيب أيضاً، جعل كونه من الجن سبباً في فسقه؛ لأنه لو كان مَلَكاً كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله، لأنّ الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس... ومعنى {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ}... صار فاسقاً كافراً بسبب أمر ربه الذي هو قوله: {اسجدوا لآدَمَ}...
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ} الهمزة للإنكار والتعجيب، كأنه قيل: أَعَقِيبَ ما وُجِدَ منه تتخذونه {وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي} وتستبدلونهم بي...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الآية مضمنها تقريع الكفرة وتوقيفهم على خطاياهم في ولايتهم العدو دون الذي أنعم بكل نعمه على العموم، صغيرها وكبيرها، وتقدير الكلام: واذكر إذ قلنا، وتكررت هذه العبارة حيث تكررت هذه القصة، إذ هي توطئة النازلة، فأما ذكر النازلة هنا فمقدمة للتوبيخ، وذكرها في البقرة إعلام بمبادئ الأمور...
اعلمْ أن المقصود من ذكر الآيات المتقدِّمة الرّدُّ على القوم الذين افتخروا بأموالهم وأعوانهم على فقراء المسلمين، وهذه الآية المقصود من ذكرها عين هذا المعنى، وذلك لأن إبليس إنما تكبر على آدم لأنه افتخر بأصله ونسبه وقال: خلقتني من نار وخلقته من طين فأنا أشرف منه في الأصل والنسب فكيف أسجد وكيف أتواضع له! وهؤلاء المشركون عاملوا فقراء المسلمين بعين هذه المعاملة فقالوا: كيف نجلس مع هؤلاء الفقراء مع أنّا من أنسابٍ شريفة وهم من أنساب نازلة ونحن أغنياء وهم فقراء، فالله تعالى ذكر هذه القصة ههنا تنبيها على أن هذه الطريقة هي بعينها طريقة إبليس... إنه تعالى لَمّا ذَكر من قَبْلُ أمرَ القيامة وما يجري عند الحشر ووَضْعَ الكتاب وكأن الله تعالى يريد أن يذكر ههنا أنه ينادي المشركين ويقول لهم أين شركائي الذي زعمتم وكان قد علم تعالى أن إبليس هو الذي يحمل الإنسان على إثبات هؤلاء الشركاء، لا جَرَمَ قَدَّم قصتَه في هذه الآية إتماماً لذلك الغرض، ثم قال القاضي: وهذه القصة وإن كان تعالى قد كررها في سور كثيرة إلا أن في كل موضع منها فائدةً مَجَدَّدَةً...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر البعث وختمه بإحسانه بالعدل المثمر لإعطاء كل أحد ما يستحقه، أتبعه -بما له من الفضل- بابتداء الخلق الذي هو دليله، في سياق مذكر بولايته الموجبة للإقبال عليه، وعداوة الشيطان الموجبة للإدبار عنه، مبين لما قابلوا به عدله فيهم وفي عدوهم من الظلم بفعلهم كما فعل من التكبر على آدم عليه السلام بأصله، فتكبروا على فقراء المؤمنين بأصلهم وأموالهم وعشائرهم، فكان فعلهم فعله سواء، فكان قدوتهم وهو عدوهم، ولم يقتدوا بخير خلقه وهو وليهم وهم أعرف الناس به، فقال تعالى عاطفاً على {واضرب}: {وإذ} أي واذكر لهم إذ {قلنا} بما لنا من العظمة {للملائكة} الذين هم أطوع شيء لأوامرنا وإبليس فيهم، قال ابن كثير: وذلك أنه كان قد ترسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك، ولهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة {اسجدوا لآدم} أبيهم نعمة منا عليه يجب عليهم شكرنا فيها {فسجدوا} كلهم {إلا إبليس} فكأنه قيل: ما له لم يسجد؟ فقيل: {كان} أي لأنه كان {من الجن} المخلوقين من نار... ولما كان أكثر الجن مفسداً، رجوعاً إلى الأصل الذي هو النار المحرقة لما لاصقها، المفسدة له، سبب فسقه عن كونه منهم فقال تعالى: {ففسق} أي خرج، يقال: فسقت الفأرة من جحرها -إذا خرجت للعيث والفساد. {عن أمر ربه} أي سيده ومالكه المحسن إليه بإبداعه، وغير ذلك من اصطناعه، في شأن أبيكم، إذ تكبر عليه فطرده ربه من أجلكم، فلا تستنوا به في الافتخار والتكبر على الضعفاء، فإن من كانت خطيئته في كبر لم يكن صلاحه مرجواً، ومن كانت خطيئته في معصية كان صلاحه مرجواً، ثم سبب عن هذا ما هو جدير بالإنكار فقال تعالى في أسلوب الخطاب لأنه أدل على تناهي الغضب وأوجع في التبكيت، والتكلم لأنه أنص على المقصود من التوحيد: {أفتتخذونه} أي أيفسق باستحقاركم فيطرده لأجلكم فيكون ذلك سبباً لأن تتخذوه {وذريته} شركاء لي {أولياء} لكم {من دوني} أي اتخاذاً مبتدئاً من غيري أو من أدنى رتبة من رتبتي، ليعم الاتخاذ استقلالاً وشركة، ولو كان المعنى: من دون- أي غير -اتخاذي، لأفاد الاستقلال فقط، ولو كان الاتخاذ مبتدئاً منه بأن كان هو الآمر به لم يكن ممنوعاً، وأنا وليكم المفضل عليكم {وهم لكم} ولما كان بناء فعول للمبالغة ولا سيما وهو شبيه بالمغالاة في نحو القول، أغنى عن صيغة الجمع فقال: {عدو} إشارة إلى أنهم في شدة العداوة على قلب واحد. ولما كان هذا الفعل أجدر شيء بالذم، وصل به قوله تعالى: {بئس} وكان الأصل: لكم، ولكنه أبرز هذا الضمير لتعليق الفعل بالوصف والتعميم فقال تعالى: {للظالمين بدلاً} إذا استبدلوا من ليس لهم شيء من الأمر وهم لهم عدو بمن له الأمر كله وهو لهم ولي.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذه الإشارة إلى تلك القصة القديمة تجيء هنا للتعجيب من أبناء آدم الذين يتخذون ذرية إبليس أولياء من دون الله بعد ذلك العداء القديم. واتخاذ إبليس وذريته أولياء يتمثل في تلبية دواعي المعصية والتولي عن دواعي الطاعة.
والحق سبحانه وتعالى حينما يحذرنا من إبليس فإنه يربي فينا المناعة التي نقاومه بها، والمناعة أن تأتي بالشيء الذي يضر مستقبلاً حين يفاجئك وتضعه في الجسم في صورة مكروب خامد، وهذا هو التطعيم الذي يعود الجسم على مدافعة المرض وتغلب عليه إذا أصابه. فكذلك الحق سبحانه يعطينا المناعة ضد إبليس، ويذكرنا ما كان منه لأبينا آدم واستكباره عن السجود له، وأن نذكر دائماً قوله: {أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً "62 "} (سورة الإسراء): فانتبهوا ما دمنا سنسير الجبال، ونسوي الأرض، ونحصر لكل كتابه، فاحذروا أن تقفوا موقفاً حرجاً يوم القيامة، ثم تفاجأوا بكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وها أنا أذكركم من الآن في وقت السعة والتدارك، فحاولوا التوبة إلى الله، وأن تصلحوا ما بينكم وبين ربكم. والأمر هنا جاء للملائكة: {وإذ قلنا للملائكة}: لأنهم أشرف المخلوقات، حيث لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. وحين يأمر الله تعالى الملائكة الذين هذه صفاتهم بالسجود لآدم، فهذا يعني الخضوع، وأن هذا هو الخليفة الذي آمركم أن تكونوا في خدمته. لذلك سماهم: المدبرات أمراً، وقال تعالى عنهم: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله.. "11 "} (سورة الرعد): فكأن مهمة هؤلاء الملائكة أن يكونوا مع البشر وفي خدمتهم. فإذا كان الحق سبحانه قد جند هؤلاء الملائكة وهم أشرف المخلوقات لخدمة الإنسان، وأمرهم بالسجود له إعلاناً للخضوع للإنسان، فمن باب أولى أن يخضع له الكون كله بسمائه وأرضه، وأن يجعله في خدمته، إنما ذكر أشرف المخلوقات لينسحب الحكم على من دونهم. وقلنا: إن العلماء اختلفوا كثيراً على ماهية إبليس: أهو من الجن أم من الملائكة، وقد قطعت هذه الآية هذا الخلاف وحسمته، فقال تعالى: {إلا إبليس كان من الجن}. وطالما جاء القرآن بالنص الصريح الذي يوضح جنسيته، فليس لأحد أن يقول: إنه من الملائكة. ومادام كان من الجن، وهم جنس مختار في أن يفعل أو لا يفعل، فقد اختار ألا يفعل: {ففسق عن أمر ربه}: أي: رجع إلى أصله، وخرج عن الأمر. وقوله تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو}: فهذا أمر عجيب، فكيف بعد ما حدث منه تجعلونه ولياً من دون الله الذي خلقكم ورزقكم، فكان أولى بهذه الولاية...
{بئس للظالمين بدلاً}: أي: بئس البدل أن تتخذوا إبليس الذي أبى واستكبر أن يسجد لأبيكم ولياً، وتتركوا ولاية الله الذي أمر الملائكة أن تسجد لأبيكم.