غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

47

ثم إنه سبحانه عاد على أرباب الخيلاء من قريش فذكر قصة آدم واستكبار إبليس عليه . قال جار الله : قوله : { كان من الجن } كلام متسأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين كأن قائلاً قال : ما له لم يسجد فقيل : { كان من الجن ففسق } والفاء للتسبيب أي كونه من الجن سبب في فسقه ولو كان ملكاً لم يفسق لثبوت عصمة الملائكة . وقال آخرون : اشتقاق الجن من الاستتار عن العيون فيشمل الملائكة والنوع المسمى بالجن . ثم من لم يوجب عصمة الملك فظاهر ، ومن أوجب قال : " كان " بمعنى " صار " أي مسخ عن حقيقة الملائكة إلى حقيقة الجن ، وقد سلف هذا البحث بتمامه في أول سوة البقرة . ومعنى { فسق عن أمر ربه } خرج عن طاعته . وحكى الزجاج عن الخليل وسيبويه أنه لما أمر فعصى كان سبب فسقه هو ذلك الأمر ولولا ذلك الأمر الشاق لما حصل ذلك الفسق فلهذا حسن أن يقال : { فسق عن أمر ربه } . وقال قطرب : هو على حذف المضاف أي فسق عن ترك أمره . ثم عجب من حال من أطاع إبليس في الكفر . والمعاصي وخالق أمر الله فقال : { أفتتخذونه } كأنه قيل أعقيب ما وجد منه من إلا باء والفسق تتخذونه { وذريته أولياء من دوني } وتستبدلونهم بي وقصة آدم وإبليس سمعها قريش من أهل الكتاب وعرفوا صحتها فلذلك صح الاحتجاج بها عليهم وإن لم يعتقدوا كون محمد صلى الله عليه وسلم نبياً { بئس للظالمين بدلاً } أي بئس البدل من الله . إبليس لمن استبدل به فأطاعه بدل طاعته . قال الجبائي . في الآية دلالة على أنه لا يريد الكفر ولا يخلقه في العبد وإلا لم يصح هذا الذم والتوبيخ ، وعورض بالعلم والداعي كما مر مراراً . قال أهل التحقيق : إن الداعي لكفار قريش إلى ترك دين محمد صلى الله عليه وسلم هو النخوة والعجب والترفع والتكبر ، وهذا شأن إبليس ومن تابعه . فكل غرضه من العلم أو العمل الفخر على الأقران والترفع على أبناء الزمان فإنه مقتدٍ بإبليس وذريته وهذا مقام صعب نسأل الله الخلاص منه .

/خ59