نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

ولما ذكر البعث وختمه{[46528]} بإحسانه بالعدل المثمر لإعطاء كل أحد ما يستحقه ، أتبعه - {[46529]}بما له من الفضل{[46530]} - بابتداء{[46531]} الخلق الذي هو دليله ، في سياق مذكر بولايته الموجبة للإقبال عليه ، وعداوة الشيطان الموجبة للإدبار عنه ، مبين لما قابلوا به عدله فيهم وفي عدوهم من الظلم {[46532]}بفعلهم كما فعل من التكبر على آدم عليه السلام بأصله ، فتكبروا على فقراء المؤمنين بأصلهم وأموالهم وعشائرهم ، فكان فعلهم فعله{[46533]} سواء ، فكان قدوتهم وهو عدوهم ، ولم يقتدوا بخير خلقه وهو وليهم وهم أعرف الناس به ، فقال تعالى عاطفاً على { واضرب } : { وإذ } أي واذكر لهم إذ { قلنا } {[46534]}بما لنا من العظمة{[46535]} { للملائكة } الذين هم أطوع شيء لأوامرنا وإبليس فيهم ، قال ابن كثير : وذلك أنه كان قد ترسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك ، ولهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة { اسجدوا لآدم } أبيهم{[46536]} نعمة منا عليه{[46537]} يجب عليهم شكرنا فيها { فسجدوا } كلهم { إلا إبليس } فكأنه قيل : ما له لم يسجد ؟ فقيل : { كان } أي لأنه كان{[46538]} { من الجن } المخلوقين من نار ، ولعل النار لما{[46539]} كانت نيرة وإن كانت نورانيتها مشوبة بكدورة وإحراق ، عد من الملائكة لاجتماع العنصرين في مطلق النور ، مع ما كان غلب عليه من العبادة ، فقد روى مسلم في صحيحه{[46540]} عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان - وفي رواية : إبليس - من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " {[46541]}وفي مكائد الشيطان لابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الجن كانت قبيلة من الملائكة{[46542]} .

ولما كان أكثر الجن مفسداً ، رجوعاً إلى الأصل{[46543]} الذي هو النار المحرقة لما لاصقها ، المفسدة له ، سبب فسقه عن كونه منهم فقال تعالى : { ففسق } أي خرج ، يقال : فسقت الفأرة من جحرها - إذا خرجت للعيث{[46544]} والفساد . { عن أمر ربه } أي سيده ومالكه المحسن إليه بإبداعه ، وغير ذلك من اصطناعه ، في شأن أبيكم ، إذ تكبر عليه فطرده ربه من أجلكم ، فلا تستنوا به في الافتخار والتكبر على الضعفاء ، {[46545]}فإن من كانت{[46546]} خطيئته في كبر لم يكن صلاحه مرجواً ، ومن كانت خطيئته في معصية كان صلاحه مرجواً ، ثم سبب عن هذا ما هو جدير بالإنكار فقال تعالى في أسلوب الخطاب لأنه أدل على تناهي الغضب وأوجع في التبكيت ، والتكلم لأنه أنص على المقصود من التوحيد{[46547]} : { أفتتخذونه } أي أيفسق باستحقاركم فيطرده لأجلكم{[46548]} {[46549]}فيكون ذلك سبباً لأن تتخذوه{[46550]} { وذريته } شركاء لي { أولياء } لكم { من دوني } {[46551]}أي {[46552]}اتخاذاً مبتدئاً من غيري {[46553]}أو من أدنى{[46554]} رتبة من رتبتي ، ليعم الاتخاذ استقلالاً وشركة ، ولو كان المعنى : من دون - أي غير - اتخاذي ، لأفاد الاستقلال فقط ، ولو كان الاتخاذ مبتدئاً منه بأن كان هو الآمر به لم {[46555]}يكن ممنوعاً ، وأنا وليكم المفضل عليكم { وهم لكم } ولما كان بناء فعول للمبالغة ولا سيما وهو شبيه بالمغالاة في نحو القول ، أغنى عن صيغة الجمع فقال{[46556]} : { عدو } {[46557]}إشارة إلى أنهم في شدة العداوة على قلب واحد . ولما كان هذا الفعل أجدر شيء بالذم ، وصل به قوله تعالى : { بئس } وكان الأصل{[46558]} : لكم ، ولكنه{[46559]} أبرز هذا الضمير لتعليق الفعل بالوصف {[46560]}والتعميم{[46561]} فقال تعالى : { للظالمين بدلاً * } إذا استبدلوا من ليس لهم شيء من الأمر وهم لهم{[46562]} عدو بمن له الأمر كله وهو لهم ولي .


[46528]:سقط من ظ.
[46529]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46530]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46531]:من ظ ومد وفي الأصل: ما نبدا.
[46532]:العبارة من هنا إلى "الناس به" ساقطة من ظ.
[46533]:من مد، وفي الأصل: فعل.
[46534]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46535]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46536]:في ظ: أبيكم.
[46537]:زيد في الأصل: عليهم، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[46538]:زيد من ظ.
[46539]:زيد من ظ ومد.
[46540]:باب في أحاديث متفرقة – كتاب الزهد.
[46541]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46542]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46543]:من ظ ومد، وفي الأصل: الأرض.
[46544]:من ظ ومد، وفي الأصل: للبعث.
[46545]:العبارة من هنا إلى "صلاحه مرجوا" ساقطة من ظ.
[46546]:من مد وفي الأصل: كان.
[46547]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد إلا أنه ورد في ظ بعد "وهم لكم".
[46548]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد، إلا أنه ورد في ظ بعد "وهم لكم".
[46549]:في ظ: فتتخذونه.
[46550]:في ظ: فتتخذونه.
[46551]:العبارة من هنا إلى "لم يكن ممنوعا" ساقطة من ظ.
[46552]:زيد في مد: غيري.
[46553]:من مد، وفي الأصل: لادى.
[46554]:من مد، وفي الأصل: لادى.
[46555]:من مد، وفي الأصل: لمن.
[46556]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[46557]:العبارة من هنا إلى "قلب واحد" ساقطة من ظ.
[46558]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46559]:في ظ: إنما.
[46560]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46561]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46562]:في مد: له.