لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

قوله سبحانه وتعالى { وإذ قلنا } أي واذكر يا محمد إذ قلنا { للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } قال ابن عباس : كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس وكونه من الملائكة لا ينافي كونه من الجن بدليل قوله سبحانه وتعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ، وذلك أن قريشاً قالت الملائكة بنات الله ، فهذا يدل على أن الملك يسمى جناً ويعضده اللغة لأن الجن مأخوذ من الاجتنان ، وهو الستر فعلى هذا تدخل الملائكة فيه فكل الملائكة جن لاستتارهم وليس كل جن ملائكة ، ووجه كونه من الملائكة أن الله سبحانه وتعالى استثناه من الملائكة والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل ويصح دخوله وذلك يوجب كونه من الملائكة ووجه من قال إنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة قوله كان من الجن والجن جنس مخالف للملائكة قوله أفتتخذونه وذريته فأثبت له ذرية والملائكة لا ذرية لهم ، وأجيب عن الاستثناء أنه استثناء منقطع وهو مشهور في كلام العرب قال الله سبحانه وتعالى { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } وقال تعالى { لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً } قيل إنه كان من الملائكة فلما خالف الأمر مسخ وغير وطرد ولعن . وقوله تعالى { ففسق عن أمر ربه } أي خرج عن طاعة ربه { أفتتخذونه } يعني يا بني آدم أفتتخذون إبليس { وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو } يعني أعداء روي مجاهد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوماً إذ أقبل رجل فقال أخبرني هل لإبليس زوجة قلت إن ذلك العرس ما شهدته ثم ذكرت قول الله عز وجل { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني } فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم ، قيل يتوالدون كما يتوالد ابن آدم . وقيل إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين . قال مجاهد : من ذرية إبليس لاقيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومره وبه يكنى ، وزلنبور وهو صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلع وبتر وهو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب ، والأعور وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجيزة المرأة ، ومطموس وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس لا يجدون لها أصلاً ، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع ما لم يرفع أو يحسن موضعه وإذا أكل ولم يسم أكل معه ، قال الأعمش : ربما دخلت البيت ولم أذكر إسم الله ولم أسلم فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم ثم أذكر فأقول داسم داسم أعوذ بالله منه ، روى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء » أخرجه الترمذي . ( م ) عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بين وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً » قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ( م ) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت » قال الأعمش أراه قال فيلتزمه . وقوله { بئس للظالمين بدلاً } يعني بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم وطاعته .