تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

الآية50 : وقوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } ذكر الله ، قصة آدم وإبليس في غير موضع من القرآن على الزيادة والنقصان . وإنما ذكر ( ذلك ، وكرر لما ){[11658]} كذلك كان في الكتب المتقدمة مكررا معادا ، فذكر في القرآن على ما كان في تلك الكتب ليكون ذلك آية لرسالة محمد حين{[11659]} علموا أنه كان لا يعرف الكتب المتقدمة . أو أن ما كرره لحاجات كانت لهم ولفوائد تكون لهم في التكرار لهم ليكون لهم عظة وتنبيها في كل وقت وكل حال ، وقد يكرر الشيء ، ويعاد على التذكير ولتنبيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } اختلف فيه : قال بعضهم : سمي من الجن لأنه كان من الجان الذين{[11660]} يعملون في الجنان ، فنسبت إليهم{[11661]} .

وقال بعضهم : إن من الملائكة قبيلة ، يقال لها : الجن ، فكان إبليس منها ، فنسب إليها .

وقال الحسن : ما كان إبليس من الملائكة قط طرفة عين ، ولكنه من الجن كما قال الله ، فهو أصل{[11662]} الجن ، وهو أول من عصى ربه من الجن ( كما ){[11663]} أن آدم هو أصل الإنس ، وهو أبوهم . فعلى ذلك إبليس ، هو أبو الجن .

وقال بعضهم : { كان من الجن } أي صار من الجن ، وكذلك ( قال تعالى ){[11664]} { وكان من الكافرين }( البقرة : 43 وص : 74 )وقت عصيانه ربه وإبائه السجود لآدم . وقد ذكرنا هذه المسألة في ما تقدم .

وقوله تعالى : { ففسق عن أمره ربه } قيل عتا ، وعصى . وأصل الفسق الخروج ، أي خرج عن أمر ربه . وكذلك قال القتبي : { ففسق }أي خرج عن طاعته . يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها .

وقوله تعالى : /318-ب/ { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه أراد بقوله : { أولياء من دوني } من دون نفسه . فكأنه قال { أفتتخذونه وذريته } أربابا وآلهة من دوني { وهم لكم عدوا } وليسوا بآلهة ولا أرباب . فكيف يجوز أن يتخذ العدو ربا ، والله أعلم .

والثاني : أنه أراد بقوله { أولياء من دوني } أي من دون أوليائي . فكأنه قال : { أفتتخذونه وذريته أولياء من } دون أوليائي { وهم لكم عدوا } أي كيف تتخذون الأعداء أولياء ، وتتركون من هم لكم أولياء ، ولا تتخذونهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { بئس للظالمين بدلا } أي بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم أن عبدوا إبليس ، وأطاعوه ، فبئس ذلك لهم بدلا ؛ أي ما اتخذوا أعداءهم أولياء بدلا عن ألوهيته وربوبيته .


[11658]:في الأصل: كذلك وكرر، في م: كذلك و كرر لما.
[11659]:في الأصل و.م: حيث.
[11660]:في الأصل و.م: الذي.
[11661]:في الأصل و.م: إليه.
[11662]:من في الأصل:أهل.
[11663]:ساقطة من الأصل و.م.
[11664]:في الأصل و.م: قالوا.