ثم بين - سبحانه - أهم الوظائف التي من أجلها أنزل كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الذي اختلفوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
أي : وما أنزلنا عليك - أيها الرسول الكريم - هذا القرآن ، إلا من أجل أن تبين لمن أرسلت إليهم وجه الصواب فيما اختلفوا فيه من أمور العقائد والعبادات والمعاملات والحلال والحرام . . . وبذلك يعرفون الحق من الباطل ، والخير من الشر .
وسيقت هذه المعاني بأسلوب القصر ؛ لقصد الإِحاطة بأهم الغايات التي من أجلها أنزل الله - تعالى - كتابه على نبيه الكريم ؛ ولترغيب السامعين فى تقبل إرشادات هذا الكتاب بنفس منشرحة ، وقلب متفتح .
وإنما أرسل الله رسوله [ ص ] ليستنقذهم ، وليبين لهم الحق من الباطل ، ويفصل فيما وقع بينهم من خلاف في عقائدهم وكتبهم ؛ وليكون هدى ورحمة لمن يؤمنون .
( تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ، فزين لهم الشيطان أعمالهم ، فهو وليهم اليوم ، ولهم عذاب أليم . وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) . .
فوظيفة الكتاب الأخير والرسالة الأخيرة هي الفصل فيما شجر من خلاف بين أصحاب الكتب السابقة وطوائفهم . . إذ الأصل هو التوحيد ، وكل ما طرأ على التوحيد من شبهات وكل ما شابه من شرك في صورة من الصور ، ومن تشبيه وتمثيل . . كله باطل جاء القرآن الكريم ليجلوه وينفيه . وليكون هدى ورحمة لمن استعدت قلوبهم للإيمان وتفتحت لتلقيه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا ، وبعثناك رسولاً إلى خلقنا ، إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله ، فتعرّفهم الصواب منه ، والحقّ من الباطل ، وتقيم عليهم بالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها .
وقوله : { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، يقول : وهدى بيانا من الضلالة ، يعني بذلك الكتاب ، ورَحْمَةً لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ به ، فيصدّقون بما فيه ، ويقرّون بما تضمن من أمر الله ونهيه ، ويعملون به . وعطف بالهدى على موضع «ليبين » ؛ لأن موضعها نصب . وإنما معنى الكلام : وما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا للناس فيما اختلفوا فيه ، وهدى ورحمة .
وقوله : { وما أنزلنا عليك الكتاب } ، يريد القرآن ، وقوله : { لتبين } ، في موضع المفعول من أجله ، وقوله : { وهدى ورحمة } ، عطف عليه ، كأنه قال : إلا للبيان ، أي : لأجل البيان لهم ، وقوله : { الذي اختلفوا فيه } ، لفظ عام لأنواع كفر الكفرة من الجحد بالله تعالى ، أو بالقيامة ، أو بالنبوءات ، أو غير ذلك ، ولكن الإشارة في هذه الآية إنما هي لجحدهم الربوبية وتشريكهم الأصنام في الألوهية ، ويدل على ذلك أخذه بعد هذا في إثبات العبر الدالة على أن الأنعم وسائر الأفعال إنما هي من الله تعالى ، لا من الأصنام .
عطف على جملة القسم . والمناسبة أن القرآن أنزل لإتمام الهداية وكشف الشبهات التي عرضت للأمم الماضية والحاضرة فتَرَكَتْ أمثالها في العرب وغيرهم .
فلما ذكرت ضلالاتهم وشبهاتهم عقّب ذلك ببيان الحكمة في إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن إليه ، فالقرآن جاء مبيّناً للمشركين ضلالهم بياناً لا يترك للباطل مسلكاً إلى النفوس ، ومفصحاً عن الهدى إفصاحاً لا يترك للحَيرة مجالاً في العقول ، ورحمةً للمؤمنين بما جازاهم عن إيمانهم من خير الدنيا والآخرة .
وعبّر عن الضلال بطريقة الموصولية { الذين اختلفوا فيه } للإيماء إلى أن سَبَب الضلال هو اختلافهم على أنبيائهم ، فالعرب اختلفت ضلالتهم في عبادة الأصنام ، عبدت كل قبيلة منهم صنماً ، وعبد بعضهم الشمس والكواكب ، واتّخذت كل قبيلة لنفسها أعمالاً يزعمونها ديناً صحيحاً . واختلفوا مع المسلمين في جميع ذلك الدّين .
والإتيان بصيغة القصر في قوله تعالى : { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين } لقصد الإحاطة بالأهمّ من غاية القرآن وفائدته التي أنزل لأجلها . فهو قصر ادعائي ليرغب السامعون في تلقّيه وتدبّره من مؤمن وكافر كلّ بما يليق بحاله حتى يستووا في الاهتداء .
ثم إن هذا القصر يعرّض بتفنيد أقوال من حسبوا من المشركين أن القرآن أنزل لذكر القِصص لتعليل الأنفس في الأسمار ونحوها حتى قال مضلّهم : أنَا آتيكم بأحسن مما جاء به محمد ، آتيكم بقصة ( رستم ) و ( اسفنديار ) . فالقرآن أهم مقاصده هذه الفوائد الجامعة لأصول الخير ، وهي كشف الجهالات والهدى إلى المعارف الحقّ وحصول أثر ذيْنِك الأمرين ، وهو الرحمة الناشئة عن مجانبة الضلال واتباع الهدى .
وأدخلت لام التعليل على فعل « تبين » الواقع موقع المفعول لأجله لأنه من فعل المخاطب لا من فعل فاعل { أنزلنا } ، فالنبي هو المباشر للبيان بالقرآن تبليغاً وتفسيراً . فلا يصحّ في العربية الإتيان بالتبيين مصدراً منصوباً على المفعولية لأجله إذ ليس متّحداً مع العامل في الفاعل ، ولذلك خولف في المعطوف فنُصب { هدى ورحمةً } لأنهما من أفعال مُنْزِل القرآن ، فالله هو الهادي والراحم بالقرآن ، وكل من البيان والهدى والرحمة حاصل بالقرآن فآلت الصفات الثلاث إلى أنها صفات للقرآن أيضاً .
والتعبير ب { لقوم يؤمنون } دون للمؤمنين ، أو للذين آمنوا ، للإيماء إلى أنهم الذين الإيمان كالسّجية لهم والعادة الراسخة التي تتقوّم بها قوميّتهم ، كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .
وهاته الآية بمنزلة التذييل للعبر والحجج الناشئة عن وصف أحوال المخلوقات ونِعم الخالق على الناس المبتدئة من قوله تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق } [ سورة النحل : 17 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما أنزلنا عليك}، يا محمد، صلى الله عليه وسلم،
{إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه}، وذلك أن أهل مكة اختلفوا في القرآن، فآمن به بعضهم، وكفر بعضهم،
{ورحمة} من العذاب لمن آمن بالقرآن، فذلك قوله: {لقوم يؤمنون}، يعني: يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا، وبعثناك رسولاً إلى خلقنا، إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله، فتعرّفهم الصواب منه، والحقّ من الباطل، وتقيم عليهم بالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها.
{وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، يقول: وهدى بيانا من الضلالة، يعني بذلك الكتاب، "ورَحْمَةً لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "به، فيصدّقون بما فيه، ويقرّون بما تضمن من أمر الله ونهيه، ويعملون به. وعطف بالهدى على موضع «ليبين»؛ لأن موضعها نصب. وإنما معنى الكلام: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا للناس فيما اختلفوا فيه، وهدى ورحمة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
تكشف لهم "الذي اختلفوا فيه"، من دلالة التوحيد والعدل وصدق الرسل، وما أوجبت فيه من الحلال والحرام...
وإنما أضافه إلى المؤمنين خاصة لانتفاعهم بذلك، وإن كان دليلا وحجة للجميع، كما قال في موضع آخر: "هدى للمتقين"، وقال: "إنما أنت منذر من يخشاها"، وإن أنذر من لم يخشاها...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله: {وما أنزلنا عليك الكتاب}، يريد القرآن، وقوله: {لتبين}، في موضع المفعول من أجله، وقوله: {وهدى ورحمة}، عطف عليه، كأنه قال: إلا للبيان، أي: لأجل البيان لهم، وقوله: {الذي اختلفوا فيه}، لفظ عام لأنواع كفر الكفرة من الجحد بالله تعالى، أو بالقيامة، أو بالنبوءات، أو غير ذلك، ولكن الإشارة في هذه الآية إنما هي لجحدهم الربوبية وتشريكهم الأصنام في الألوهية، ويدل على ذلك أخذه بعد هذا في إثبات العبر الدالة على أن الأنعم وسائر الأفعال إنما هي من الله تعالى، لا من الأصنام.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
فالقرآن فاصل بين الناس في كل ما يتنازعون فيه. {وَهُدًى}، أي: للقلوب، {وَرَحْمَةً}، أي: لمن تمسك به،...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان حاصل ما مضى الخلاف والضلال والنقمة، كان كأنه قيل: فبين لهم وخوفهم ليرجعوا، فإنا ما أرسلناك إلا لذلك، {وما أنزلنا}، أي: بما لنا من العظمة من جهة العلو. {عليك الكتاب}، أي: الجامع لكل هدى. ولما كان في سياق الدعاء والبيان عبر بما يقتضي الإيجاب فقال: {إلا لتبين}، أي: غاية البيان. {لهم} أي لمن أرسلت إليهم، وهم الخلق كافة. {الذي اختلفوا فيه}، من جميع الأمور ديناً ودنيا؛ لكونك أغزرهم علماً وأثقبهم فهماً، وعطف على موضع "لتبين "ما هو فعل المنزل، فقال تعالى: {وهدى}، أي: بياناً شافياً، {ورحمة}، أي: وإكراماً بمحبة.
ولما كان ذلك ربما شملهم وهم على ضلالهم، نفاه بقوله تعالى: {لقوم يؤمنون}. والتبيين: معنى يؤدي إلى العلم بالشيء منفصلاً عن غيره، وقد يكون عن المعنى نفسه، وقد يكون عن صحته، والبرهان لا يكون إلا عن صحته فهو أخص، والاختلاف: ذهاب كل إلى غير جهة صاحبه، والهدى: بيان طريق العلم المؤدي إلى الحق.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فوظيفة الكتاب الأخير والرسالة الأخيرة هي الفصل فيما شجر من خلاف بين أصحاب الكتب السابقة وطوائفهم.. إذ الأصل هو التوحيد، وكل ما طرأ على التوحيد من شبهات وكل ما شابه من شرك في صورة من الصور، ومن تشبيه وتمثيل.. كله باطل جاء القرآن الكريم ليجلوه وينفيه. وليكون هدى ورحمة لمن استعدت قلوبهم للإيمان وتفتحت لتلقيه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف على جملة القسم. والمناسبة أن القرآن أنزل لإتمام الهداية وكشف الشبهات التي عرضت للأمم الماضية والحاضرة فتَرَكَتْ أمثالها في العرب وغيرهم. فلما ذكرت ضلالاتهم وشبهاتهم عقّب ذلك ببيان الحكمة في إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن إليه، فالقرآن جاء مبيّناً للمشركين ضلالهم بياناً لا يترك للباطل مسلكاً إلى النفوس، ومفصحاً عن الهدى إفصاحاً لا يترك للحَيرة مجالاً في العقول، ورحمةً للمؤمنين بما جازاهم عن إيمانهم من خير الدنيا والآخرة. وعبّر عن الضلال بطريقة الموصولية {الذين اختلفوا فيه} للإيماء إلى أن سَبَب الضلال هو اختلافهم على أنبيائهم، فالعرب اختلفت ضلالتهم في عبادة الأصنام، عبدت كل قبيلة منهم صنماً، وعبد بعضهم الشمس والكواكب، واتّخذت كل قبيلة لنفسها أعمالاً يزعمونها ديناً صحيحاً. واختلفوا مع المسلمين في جميع ذلك الدّين. والإتيان بصيغة القصر في قوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين} لقصد الإحاطة بالأهمّ من غاية القرآن وفائدته التي أنزل لأجلها. فهو قصر ادعائي ليرغب السامعون في تلقّيه وتدبّره من مؤمن وكافر كلّ بما يليق بحاله حتى يستووا في الاهتداء. ثم إن هذا القصر يعرّض بتفنيد أقوال من حسبوا من المشركين أن القرآن أنزل لذكر القِصص لتعليل الأنفس في الأسمار ونحوها حتى قال مضلّهم: أنَا آتيكم بأحسن مما جاء به محمد، آتيكم بقصة (رستم) و (اسفنديار). فالقرآن أهم مقاصده هذه الفوائد الجامعة لأصول الخير، وهي كشف الجهالات والهدى إلى المعارف الحقّ وحصول أثر ذيْنِك الأمرين، وهو الرحمة الناشئة عن مجانبة الضلال واتباع الهدى. وأدخلت لام التعليل على فعل « تبين» الواقع موقع المفعول لأجله لأنه من فعل المخاطب لا من فعل فاعل {أنزلنا}، فالنبي هو المباشر للبيان بالقرآن تبليغاً وتفسيراً. فلا يصحّ في العربية الإتيان بالتبيين مصدراً منصوباً على المفعولية لأجله إذ ليس متّحداً مع العامل في الفاعل، ولذلك خولف في المعطوف فنُصب {هدى ورحمةً} لأنهما من أفعال مُنْزِل القرآن، فالله هو الهادي والراحم بالقرآن، وكل من البيان والهدى والرحمة حاصل بالقرآن فآلت الصفات الثلاث إلى أنها صفات للقرآن أيضاً. والتعبير ب {لقوم يؤمنون} دون للمؤمنين، أو للذين آمنوا، للإيماء إلى أنهم الذين الإيمان كالسّجية لهم والعادة الراسخة التي تتقوّم بها قوميّتهم، كما تقدم في قوله تعالى: {لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة (164). وهاته الآية بمنزلة التذييل للعبر والحجج الناشئة عن وصف أحوال المخلوقات ونِعم الخالق على الناس المبتدئة من قوله تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} [سورة النحل: 17]...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وهو أيضا هدى ورحمة – ففيه الهداية من الضلال في متاهات الأوهام، فيه التوحيد، وقد زينت الأوهام الشرك، وفيه تحريم ما لم يجله الله، وإحلال الحلال وتبين الحرام، فهو الهادي المرشد، كما قال الحق: {...إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2)} [الجن]...
وفيه الرحمة، وهي شريعته المحكمة، فهي رحمة للناس، وهي الشفاء لأدوائهم والرحمة بالمهديين منهم؛ ولذا قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)} [الأنبياء] ففيها الرحمة بالمجتمع، وفي عقوباتها الزاجرة رحمة بالكافة ووصف سبحانه بأنه هدى كأنه ذاته هداية ورحمة لفرط ما فيه من هداية ورحمة...
وهنا أمران بيانيان يشير إليهما سبحانه: الأمر الأول – أن قوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب...} فيه نفى وإثبات، وهو يفيد الحصر، أي ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لبيان ما جاء به من رسالات للأمم، ولما فيه من هدى ورحمة، وشريعة محكمة صالحة، وفيه إشارة إلى أن هذا الكتاب خاتم الرسالات. الأمر الثاني – أنه سبحانه وتعالى ذكر الكتاب معرفا بأل الدالة على كماله، وإنه الكتاب الجدير بأن يسمى كتابا وحده، وقد بين سبحانه أن هدايته ورحمته لمن يؤمن به ويذل ويذعن لحقائقه، وينفذ أحكامه بحذافيرها لا يغادر منها صغير ولا كبير إلا نفذها لأنه خير كله، والله أعلم...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وتناول كتاب الله تحديد جملة من الأهداف التي توختها الحكمة الإلهية من الرسالة المحمدية، التي هي خاتمة الرسالات، وهذه الأهداف المشار إليها هنا ثلاثة أمور: الأمر الأول: وضع حد للخلاف والنزاع القائم بين أتباع الأديان السالفة، وإلقاء الأضواء على ما دخل تلك الأديان من تزييف وتحريف وسوء تأويل، وتعريف الناس كافة بالحقيقة الدينية الأصيلة على وجهها الكامل الصحيح، خالصة من الشوائب، صافية من الأكدار. الأمر الثاني: هداية الإنسانية إلى الصراط المستقيم الذي ينظم سلوكها، ويقود خطواتها، وينقذها من مهاوي الضلال والفساد، ويعرج بها إلى معارج الصلاح والرشاد. الأمر الثالث: إشاعة الرحمة والإحسان في مجتمعات بني الإنسان، على اختلاف الأجناس والألوان. وإلى هذه الأهداف الثلاثة يشير قوله تعالى هنا في إعجاز وإيجاز: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}، ويؤكد هذه المعاني قوله تعالى في الربع القادم: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وتبيّن آخر آية من الآيات مورد البحث هدف بعث الأنبياء، ولتؤكّد حقيقة: أنّ الأقوام والأُمم لو اتبعت الأنبياء وتخلت عن أهوائها ورغباتها الشخصية لما بقي أثر لأي خرافة وانحراف، ولزالت تناقضات الأعمال... ليخرج وساوس الشيطان من قلوبهم، ويزيل حجاب النفس الأمارة بالسوء عن الحقائق لتظهر ناصعة براقة، ويفضح الجنايات والجرائم المختفية تحت زخرف القول، ويمحو أيَّ أثر للاختلافات الناشئة من الأهواء، فيقضى على القساوة بنشر نور الرحمة والهداية؛ ليعم الجميع في كل مكان...