ثمَّ ذكر - تعالى - أنه مع هذا الوعيد الشَّديد ، قد أقام الحجَّة ، وأزاح العلَّة فقال تعالى : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الذي اختلفوا فِيهِ } ، أي : وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين بواسطة بيانات القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها ، يعني : أهل الملل ، والنحل ، والأهواء ، مثل التوحيد ، والشرك ، والجبر ، والقدر ، وإثبات المعاد ونفيه ، ومثل : تحريمهم الحلال كالبحيرة والسائبة وغيرهما ، وتحليلهم أشياء محرمة كالميتة .
قالت المعتزلة : واللام في " لتُبَيِّنَ " تدلُّ على أنَّ أفعال الله معللة بالأغراض ، كقوله تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس } [ إبراهيم : 1 ] ، وقوله عزَّ وجلَّ : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] .
والجواب : أنه لما ثبت بالعقل امتناع التعليل ، وجب صرفه إلى التَّأويل .
قوله : { وَهُدى وَرَحْمَةً } فيه وجهان :
أحدهما : أنهما انتصبا على أنهما مفعولان من أجلهما ، والناصب : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ } ، ولما اتحد الفاعل في العلَّة ، والمعلول ، وصل الفعل إليهما بنفسه ، ولما لم يتَّحد في قوله : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب إِلاَّ لِتُبَيِّنَ } ، أي : لأن تبين ، على أنَّ هذه اللاَّم لا تلزم من جهة أخرى ، وهي كون مجرورها " أنْ " ، وفيه خلاف في خصوصية هذه المسألةِ ، وهذا معنى قول الزمخشري فإنه قال : " معطوفان على محل " لتُبيِّنَ " ، إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول بهما ؛ لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ، ودخلت اللام على : " لتُبيِّنَ " ؛ لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل ، وإنما ينتصب مفعولاً له ما كان فعلاً لذلك الفعل المعلل " .
قال أبو حيَّان{[19926]} - رحمه الله - : " قوله : معطوفان على محل " لتُبيِّنَ " ليس بصحيح ؛ لأنَّ محلَّه ليس نصباً ، فيعطف منصوب ، ألا ترى أنَّه لو نصبه لم يجز ؛ لاختلافِ الفاعل " .
قال شهابُ الدِّين{[19927]} : " الزمخشريُّ لم يجعل النَّصب لأجل العطفِ على محلِّه ، إنَّما جعله بوصول الفعل إليهما لاتِّحادِ الفاعل ، كما صرح به فيما تقدَّم آنفاً ، وإنما جعل العطف لأجل التشريك في العلَّة لا غير ، يعني : أنهما علَّتان ، كما أنَّ " لتُبيِّنَ " علة ، ولئن سلمنا أنه نصب عطفاً على المحل ، فلا يضر ذلك ، وقوله : " لأنَّ محله ليس نصباً " ممنوع ، وهذا ما لا خلاف فيه من أن محل الجار ، والمجرور النصب ؛ لأنه فضلة ، إلا أن تقوم مقام مرفوع ، ألا ترى إلى تخريجهم قوله : " وأرْجُلكُمْ " في قراءة النصب على العطف على محل " برءُوسِكمْ " ، ويجيزون : مررت بزيد وعمرو ، على خلاف في ذلك بالنسبة إلى القياس وعدمه ، لا في أصل المسألة ، وهذا بحثٌ حسنٌ " .
قال الكلبيُّ : وصف القرآن بكونه هدى ، ورحمة لقوم يؤمنون ، يدل على أنَّه ليس كذلك في حق الكلِّ ، لقوله في أوَّل البقرة : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] ، وإنَّما خص المؤمنين بالذّكر ؛ لأنهم هم المنتفعون به ، كقوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } [ النازعات : 45 ] ؛ لأنَّ المنتفع بالإنذار هؤلاء القوم فقط{[19928]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.