تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (64)

الآية : 64 وقوله تعالى : { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } ، قال بعضهم : قوله : { الذي اختلفوا فيه } ، الكتب التي كانت من قبلهم ؛ لأنهم اختلفوا في كتبهم ، فمنهم من بدل ، ومنهم من غير وحرف ، فيقول ، والله أعلم : { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } ، في كتبهم ؛ لأن هذا الكتاب أنزله مصدقا لما بين يديه من الكتب {[10246]} . يبين هذا الكتاب ما اختلفوا في كتبهم {[10247]} الحق من الباطل .

وقال بعضهم : { إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } ، في الرسل والأديان وفي{[10248]} المنزل عليه ؛ اختلفوا في ذلك كله ، فبين {[10249]} الحق من الباطل في جميع ما اختلفوا فيه بالكتاب الذي أنزل عليه ؛ إذ فيه أنباء الأمم الماضية ، وهو لم{[10250]} يشهدها ، ولم يختلف إلى من يخبره عنها ، ثم أنبأهم على ما كانت ، فدل أنه إنما عرف ( ذلك بالله ، ومنه نزل ذلك ){[10251]} .

وفيه دلالة أن الحوادث التي علم الله أنهم يُبتلون بها إلى يوم القيامة ، أنه جعل لهم سبيل الوصول إلى بيانها في الكتاب ، إما بيان كناية ، وإما بيان تصريح حين{[10252]} قال : { وما أنزلنا عليك من الكتاب } الآية ، حين {[10253]} لم يدعهم في اختلاف وعلى غير بيان . فعلى ذلك حين علم أنهم يبتلون بالحوادث التي ليس لها منصوص في الكتاب ، ولا يحتمل ألا يبين لهم ذلك ، ويدعهم حيارى . لكن البيان على وجهين : بيان تصريح يعقل بديهة بالعقل ، وبيان كناية يدرك بالنظر والتأمل والاستدلال .

وأصله في قوله : { إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } ، أي : لتبين لهم الحق في ما اختلفوا فيه ؛ لأنهم اختلفوا في الحق في ذلك ؛ لأن كل فريق منهم ادعى أنه هو المحق ، وأن الذي هو عليه الحق ، وأن غيره على باطل . فأخبر أنه أنزل الكتاب عليه ليبين لهم الحق في ما اختلفوا فيه .

وقوله تعالى : { وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } ، جعل الله تعالى رسوله وكتابه ، { وهدى ورحمة للمؤمنين } ؛ لأنهم آمنوا بهما ، وصدقوا بهما ، وقبلوهما ، فصار لهم هدى ورحمة ونورا . وأما من كذبهما ، ولم يقبلهما ، فهو عذاب عليهم وعمى ، وهو كقوله : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } ، { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم } الآية ( التوبة : 124 و 125 ) ، وهو ما ذكر ، وهو عليهم عمى .


[10246]:في الأصل وم: الكتاب.
[10247]:في الأصل وم: كتابهم.
[10248]:الواو ساقطة في الأصل وم.
[10249]:في الأصل وم: يبين.
[10250]:في الأصل وم: له.
[10251]:في الأصل ذلك، في م: بالله ومنه نزل ذلك.
[10252]:في الأصل وم: حيث.
[10253]:في الأصل وم: حيث.