معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

قوله تعالى : { لا جرم } ، حقا { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين } .

أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمي البسطامي ، أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن ابن إبراهيم بن سختونة ، أنبأنا أبو الفضل سفيان بن محمد الجوهري ، حدثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا شعبة ، عن ابان بن تغلب ، عن فضيل العقيمي ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فقال رجل : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ؟ قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم ، فقال : { لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } .

وكلمة { لا جرم } وردت فى القرآن فى خمسة مواضع ، وفى كل موضع كانت متلوة بأن واسمها ، وليس بعدها فعل .

وجمهور النحاة على أنها مركبة من { لا } و { جرم } تركيب خمسة عشر ومعناها بعد التركيب معنى الفعل : حق وثبت ، والجملة بعدها فاعل .

قال الخليل : لا جرم ، كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا ، يقال : فعلوا ذلك ، فيقال : لا جرم سيندمون .

وقال الفراء : { لا جرم } كلمة كانت فى الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم ، وصارت بمنزلة حقا فلذلك يجاب عنها باللام ، كما يجاب بها عن القسم ألا تراهم يقولون لا جرم لآتينك .

والمعنى : حق وثبت أن الله - تعالى - يعلم ما يسره هؤلاء المشركون وما يعلنونه من أقوال وأفعال ، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقونه من عقوبات ، لأنه - سبحانه - لا يحب المستكبرين عن الاستجابة للحق ، المغرورين بأموالهم وأولادهم ، الجاحدين لنعم الله وآلائه .

قال القرطبى : قال العلماء : وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه ، إلا الكبر ، فإنه فسق يلزمه الإِعلان ، وهو أصل العصيان كله .

وفى الحديث الصحيح : " إن المتكبرين يحشرون أمثال الذَرِّ يوم القيامة ، يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم " أو كما قال صلى الله عليه وسلم : " تصغر لهم أجسامهم فى المحشر حتى يضرهم صغرها ، وتعظم لهم فى النار حتى يضرهم عظمها " .

وبعد أن أقامت السورة الكريمة الأدلة الساطعة ، على وحدانية الله ، وقدرته ، وعلى بطلان عبادة غيره . . أتبعت ذلك بحكاية بعض أقاويل المشركين ، وردت عليها بما يدحضها ، وببيان سوء عاقبتهم ، وعاقبة أشباههم من قبلهم ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

22

والله الذي خلقهم يعلم ذلك منهم . فهو يعلم ما يسرون وما يعلنون . يعلمه دون شك ولا ريب ويكرهه فيهم . ( إنه لا يحب المستكبرين )فالقلب المستكبر لا يرجى له أن يقتنع أو يسلم . ومن ثم فهم مكرهون من الله لاستكبارهم الذي يعلمه من يعلم حقيقة أمرهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : لا جرم حقّا أن الله يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنباء في هذه السورة ، واعتقادهم نكير قولنا لهم : إلهكم إله واحد ، واستكبارهم على الله ، وما يعلنون من كفرهم بالله وفريتهم عليه . إنّهُ لا يُحِبّ المُسْتَكْبِرينَ يقول : إن الله لا يحبّ المستكبرين عليه أن يوحدوه ويخلعوا ما دونه من الاَلهة والأنداد . كما :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : حدثنا مِسْعر ، عن رجل : أن الحسن بن عليّ كان يجلس إلى المساكين ، ثم يقول : إنّهُ لا يُحِبّ المُسْتَكْبِرينَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

وقوله { لا جرم } عبرت فرقة من النحويين عن معناها بلا بد ولا محالة ، وقالت فرقة : معناها حق أن الله ، ومذهب سيبويه أن { لا } ، نفي لما تقدم من الكلام ، و { جرم } معناه حق ووجب ، ونحو هذا ، هذا هو مذهب الزجاج ، ولكن مع مذهبهما { لا } مُلازمةٌ ل { جرم } لا تنفك هذه من هذه ، وفي { جرم } لغات قد تقدم ذكرها في سورة هود{[7272]} ، وأنشد أبو عبيدة : / جرمت فزارة{[7273]} / وقال معناها حقت عليهم وأوجبت أن يغضبوا ، و { أن } على مذهب سيبويه فاعلة ب { جرم } ، وقرأ الجمهور «أن » ، وقرأ عيسى الثقفي «إن » بكسر الألف على القطع ، قال يحيى بن سلام والنقاش : المراد هنا بما يسرون مشاورتهم في دار الندوة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { إنه لا يحب المستكبرين } عام في الكافرين والمؤمنين ، فأخذ كل واحد منهم بقسطه ، وفي الحديث «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر »{[7274]} ، وفيه «أن الكبر منع الحق وغمط الناس » ويروى عن الحسن بن علي أنه كان يجلس مع المساكين ويحدثهم ، ثم يقول { إنه لا يحب المستكبرين } . ويروى في الحديث «أنه من سجد لله سجدة من المؤمنين فقد برىء من الكبر »{[7275]} .


[7272]:راجع الجزء السابع صفحة 267 و 268.
[7273]:هذا جزء من بيت لأبي أسماء بن الضريبة، أو لعطية بن عفيف، وهو بتمامه: ولقد طعنت أبا أميمة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وقد سبق الاستشهاد به عند تفسير قوله تعالى: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} الآية (22) من سورة (هود)ـ و لنا عليه تعليق فارجع إليه في الجزء السابع صفحة 267.
[7274]:أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي، والإمام أحمد في مسنده، ولفظه كما في المسند (1 ـ 399) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله: إني ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلا ورأسي دهينا، وشراك نعلي جديدا، وذكر أشياء حتى ذكر علاقة أسواطه ـ أفمن الكبر ذاك يا رسول الله؟ قال: لا، ذاك الجمال، إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من سفه الحق واذدرى الناس). (المعجم المفهرس)، وفي (الدر المنثور): أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن مردويه، والبيهقي.
[7275]:أخرجه الترمذي في السير، وفي لفظه: (وهو بريء من الكبر والغلول). (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي).