وبعد أن أذن الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين فى القتال ، وبشرهم بالنصر . . . أتبع ذلك بتسليته - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب تكذيب المشركين له ووبخ - سبحانه - أولئك المشركين على عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال - تعالى - : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ . . . } .
المعنى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لأن هؤلاء المشركين قد كذبوك فيما جئتهم به من عند ربك ، وأعرضوا عنه ، فإن قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وقوم شعيب ، وقوم موسى ، قد كذبوا هؤلاء الأنبياء الكرام ، وما يقال لك من هؤلاء المشركين ، قد قيل للرسل من قبلك .
قال - تعالى - : { كَذَلِكَ مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين } واستغنى فى عاد وثمود عن ذكر القوم ، لاشتهارهم بهذا الاسم الذى يدل دلالة واضحة على هؤلاء الظالمين .
وقال - سبحانه - : { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } ولم يقل وقوم شعيب ، لأنهم هم الأسبق فى التكذيب له - عليه السلام - على أصحاب الآيكة ، ولأنهم هم أهله أما أصحاب الأيكة فكانوا غرباء عنه .
وقال - سبحانه - : { وَكُذِّبَ موسى } لأنه لم يكذَّب من جميع قومه وهم بنو إسرائيل . وإنما كان المكذب له هو فرعون وملأه ، وللإشارة إلى أن موسى - عليه السلام - قد جاء إلى الناس بآيات واضحات تدل على صدقه ، ومع ذلك فقد قوبل بالتكذيب من فرعون وملئه .
ثم بين - سبحانه - ما حل بهؤلاء من عقوبات فقال : { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .
والإملاء : الإمهال وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " .
والنكير : اسم مصدر بمعنى الإنكار ، يقال : أنكرت على فلان فعله ، إذا ردعته وزجرته عنه .
أى : هؤلاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم ، لم أعاجلهم بالعقوبة ، بل أملهتهم وأمليت لهم ، ثم أخذتهم أخذ عزيز مقتدر ، فانظر - أيها العاقل - كيف كان إنكارى عليهم ؟ لقد كان إنكارا مخيفا مهلكا { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وقال - سبحانه - { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } بالإظهار دون الإضمار ، لزيادة التشنيع عليهم والاستفهام فى قوله - تعالى - : { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } للتهويل والتعجيب . أى : لقد كان إنكارا فظيعا حول حياتهم إلى موت ، وعمرانهم إلى خراب ، وغرورهم إلى ذلة وهوان . . . فعلى مشركى قريش أن يعتبروا بذلك ويتعظوا . . . وإلا فالعاقبة معروفة لهم .
ويفرد موسى بفقرة خاصة : ( وكذب موسى )أولا . لأنه لم يكذب من قومه كما كذب هؤلاء من قومهم ، إنما كذب من فرعون وملئه . وثانيا لوضوح الآيات التي جاء بها موسى وتعددها وضخامة الأحداث التي صاحبتها . . وفي جميع تلك الحالات أملى الله للكافرين حينا من الزمان - كما يملي لقريش - ثم أخذهم أخذا شديدا . . وهنا سؤال للتهويل والتعجيب : ( فكيف كان نكير ? ) . . والنكير هو الإنكار العنيف المصحوب بالتغيير . والجواب معروف . فهو نكير مخيف ! نكير الطوفان والخسف والتدمير والهلاك والزلازل والعواصف والترويع . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذّبَ مُوسَىَ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .
يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله ، وحاضّا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السبّ والتكذيب . وإن يكذّبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحقّ والبرهان ، وما تَعِدُهم من العذاب على كفرهم بالله ، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذّبة رسل الله المشركة بالله ومنهاجهم مِن قبلهم ، فلا يصدّنك ذلك ، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك ، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلى بلوغ الاَجال . فَقَدْ كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ يعني مشركي قريش قوم نوح ، وقوم عاد وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وأصحاب مدين ، وهم قوم شعيب . يقول : كذب كلّ هؤلاء رسلهم . وكُذّبَ مُوسَى فقيل : وكذب موسى ولم يقل : «وقوم موسى » ، لأن قوم موسى بنو إسرائيل ، وكانت قد استجابت له ولم تكذّبه ، وإنما كذّبه فرعون وقومه من القبط . وقد قيل : إنما قيل ذلك كذلك لأنه ولد فيهم كما ولد في أهل مكة .
وقوله : فَأمْلَيْتُ للْكافِرِينَ يقول : فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم ، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب . ثُمّ أخَذْتُهُمْ يقول : ثم أحللت بهم العقاب بعد الإملاء فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول : فانظر يا محمد كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة وتنكري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم ، ألم أبدلهم بالكثرة قلة وبالحياة موتا وهلاكا وبالعمارة خرابا ؟ يقول : فكذلك فعلي بمكذّبيك من قريش ، وإن أمليت لهم إلى آجالهم ، فإني مُنْجِزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم ، فأهلكناهم وأنجيتهم من بين أظهرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.