الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (44)

ثم قال تعالى : { وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح }[ 40 ] .

هذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وتعزية له ، ليقوى عزمه على الصبر على ما يناله من{[47035]} المكذبين له ، فالمعنى : أن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون فيما جئتهم به من الحق ، فالتكذيب سنة أوليائهم من الأمم الخالية ، كذبت رسلها فأمهلتهم ، ثم أحللت عليهم نقمتي ، { فكيف كان نكيري } أي : انظر يا محمد : كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة ، فكذلك أفعل بقريش الذين كذبوك ، وإن أمليت لهم إلى آجالهم ، فإني منجزك وعيدي{[47036]} فيهم ، كما أنجزت ذلك لغيرك من الرسل في الأمم المكذبة لهم .

وقوله : { وكذب موسى } ولم يقل : وقوم موسى ، كما قال في نوح وعاد وثمود وإبراهيم ، فإنما ذلك ، لأن قوم موسى هم بنو إسرائيل وكانوا مؤمنين به وإنما كذبه فرعون وقومه ، وهم من القبط ليسوا من قومه فلذلك قال : وكذب موسى ولم يقل وقوم موسى{[47037]} .

قال أبو إسحاق{[47038]} : { فكيف كان نكيري } أي : أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار .


[47035]:ز: من الكفار.
[47036]:ز: وعدي.
[47037]:هذا تأويل أبي جعفر النحاس في القطع: 494.
[47038]:انظر: معاني الزجاج 3/431.