فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (44)

{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ } قوم هود { وَثَمُودُ } قوم صالح { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } هم قوم شعيب هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية له متضمنة للوعد له بإهلاك المكذبين له ، كما أهلك سبحانه المكذبين لمن كان قبله وفيه إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على قومه والاقتداء بمن قبله من الأنبياء في ذلك ، وقد تقدم ذكر هذه الأمم وما كان منهم ومن أنبيائهم وكيف كانت عاقبتهم .

والمعنى فأنت يا أشرف الخلق لست بأوحدي في التكذيب ، فإن هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومك فتسل بهم ، قاله الخطيب ، وتأنيث قوم باعتبار المعنى وهو الأمة أو قبيلة واستغنى في عاد وثمود عن ذكر قوم لاشتهارهم بهذا الاسم الأخضر ، والأصل في التعبير العلم ولا علم لغيرهما فلهذا لم يقل : قوم هود وقوم صالح ولم يقل قوم شعيب لأن قومه يشملون أصحاب مدين وأصحاب الأيكة ، وأصحاب مدين سابقون على أصحاب الأيكة في التكذيب له ، فخصوا في الذكر بسبقهم في التكذيب

وإنما غير النظم في قوله :

{ وَكُذِّبَ مُوسَى } فجاء بالفعل مبنيا للمفعول ، ولم يقل وقوم موسى لأن قوم موسى لم يكذبوه ، وإنما كذبه غيرهم من القبط { فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } أي أخرت عنهم العقوبة وأمهلتهم ، والفاء لترتيب الإمهال على التكذيب وفيه وضع الظاهر موضع المضمر زيادة في التشنيع عليهم ، والنداء عليهم بصفة الكفر .

{ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أخذت كل فريق من المكذبين السبعة بالعذاب بعد انقضاء مدة الإمهال { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } هذا الاستفهام للتقرير أي فانظر كيف كان إنكاري وتغييري ما كانوا فيه من النعم ، وحمل الاستفهام على التعجب أوضح قال أبو حيان : ويصحب هذا الاستفهام معنى التعجب ، فكأنه قيل ما أشد ما كان إنكاري عليهم والنكير اسم من المنكر ومصدر بمعنى الإنكار .

قال الزجاج : أي ثم أخذته فأنكرت أبلغ إنكار ، قال الجوهري : النكير والإنكار تغيير المنكر ، فالمراد بالإنكار التغيير للضد بالضد ، كالحياة بالموت ، والعمارة بالخراب وليس بمعنى الإنكار اللساني والقلبي وأثبت ياء نكير حيث وقع في القرآن ورش في الوصل ، وحذفها في الوقف ، والباقون يحذفونها وصلا ووقفا ،