إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (44)

{ وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مَدْيَنَ } أي رُسُلَهم ممَّن ذُكر ومَن لم يُذكر ، وإنَّما حُذف لكمال ظهور المرادِ أو لأنَّ المرادَ نفسُ الفعل أي فعلتْ التَّكذيبَ قومُ نوحٍ إلى آخره .

{ وَكُذّبَ موسى } غُيِّر النَّظمُ الكريم بذكرِ المفعولِ وبناء الفعل له لا لأنَّ قومَه بنوُ إسرائيل وهم لم يكذِّبوه وإنَّما كذَّبه القِبْطُ لما أنَّ ذلك إنَّما يقتضي عدمَ ذكرِهم بعُنوان كونِهم قومَ مُوسى لا بعنوانٍ آخرَ على أنَّ بني إسرائيلَ أيضاً قد كذَّبوه مرَّةً بعد أُخرى حسبما نطقَ به قوله تعالى : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً } ونحو ذلك من الآياتِ الكريمة بل للإيذانِ بأنَّ تكذيبَهم له كان في غاية الشَّناعةِ لكون آياتِه في كمال الوضوحِ وقوله تعالى : { فَأمْلَيْتُ للكافرين } أي أمهلتهم حتَّى انصرمتْ حبالُ آجالِهم . والفاءُ لترتيبِ إمهالِ كلِّ فريقٍ من فِرق المكذِّبينَ على تكذيب ذلك الفريقِ لا لترتيب إمهال الكلِّ على تكذيب الكلِّ . ووضعُ الظَّاهر موضعَ الضَّميرِ العائد إلى المكذِّبين لذمِّهم بالكفرِ والتَّصريحِ بمكذبِي موسى عليه السلام حيثُ لم يذكروا فيما قبل صَريحاً { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أخذتُ كلَّ فريقٍ من فرق المكذِّبين بعد انقضاء مدَّةِ إملائِه وإمهالِه { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي إنكارِي عليهم بالإهلاك أي فكان ذلك في غاية ما يكون من الهول والفظاعة .