معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

قوله تعالى : { ولو جعلناه ملكاً } ، يعني : لو أرسلنا إليهم ملكاً .

قوله تعالى : { لجعلناه رجلاً } ، يعني في صورة رجل آدمي ، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة ، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ، وجاء الملكان إلى داود في صورة رجلين .

قوله تعالى : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } ، أي : خلطنا عليهم ما يخلطون . وشبهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أو آدمي ، وقيل معناه : شبهوا على ضعفائهم ، فشبه عليهم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هم أهل الكتاب فرقوا دينهم ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم . وقرأ الزهري : { للبسنا } بالتشديد على التكرير والتأكيد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

وأما الرد الثانى فقال فيه : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } .

أى : لو جعلنا الرسول من الملائكة - كما اقترحوا - لكانت الحكمة تقتضى أن نجعله فى صورة بشر ليتمكنوا من رؤيته ومن سماع كلامه الذى يبلغه عن الله - تعالى - وفى هذه الحالة سيقولون لهذا الملك المرسل إليهم فى صورة بشر - : لست ملكا ، لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاته البشرية التى تمثل بها ، وحينئذ يقعون فى نفس اللبس والاشتباه الذى يلبسونه على أنفسهم باستنكار جعل الرسول بشراً .

ومعنى { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } لخلطنا عليهم مثل ما يخلطون على أنفسهم بسبب استبعادهم أن يكون الرسول بشراً مثلهم .

قال الإمام القرطبى : قوله تعالى { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } لأن كل جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه ، فلو جعل الله تعالى - الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته ولما أنسوا به ، ولداخلهم من الرعب من كلامه والاتقاء له ، ما يكفيهم عن كلامه ويمنعهم عن سؤاله فلا تعم المصلحة ، ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا : لست ملكا وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك ، وعادوا إلى مثل حالهم " .

وبهذين الجوابين الحكيمين يكون القرآن الكريم قد دحض شبهات أولئك الجاحدين ، وبين أن الحكمة تقتضى أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم ، قال تعالى : - { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مّا يَلْبِسُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلين بي ، القائلين : لولا أنزل على محمد ملك بتصديقه ملكا ينزل عليهم من السماء ، ويشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم ويأمرهم باتباعه ، لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً يقول : لجعلناه في صورة رجل من البشر ، لأنهم لا يقدرون أن يروا الملك في صورته . يقول : وإذا كان ذلك كذلك ، فسواء أنزلت عليهم بذلك ملكا أو بشرا ، إذ كنت إذا أنزلت عليهم مَلَكا إنما أنزله بصورة إنسيّ ، وحججي في كلتا الحالتين عليهم ثابته بأنك صادق وأن ما جئتهم به حقّ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمار ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكا لَجَعَلْناه رَجُلاً يقول : ما أتاهم إلا في صورة رجل ، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكا لَجَعَلْناه رَجُلاً في صورة رجل في خلق رجل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكا لَجَعَلْناه رَجُلاً يقول : لو بعثنا إليهم ملكا لجعلناه في صورة آدمي .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكا لَجَعَلْناه رَجُلاً يقول : في صورة آدميّ .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، حدثنا قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكا لَجَعَلْناه رَجُلاً قال : لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل ، لم نرسله في صورة الملائكة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ .

يعني تعالى ذكره بقوله : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ : ولو أنزلنا ملكا من السماء مصدّقا لك يا محمد ، شاهدا لك عند هؤلاء العادلين بي الجاحدين آياتك على حقيقة نبوّتك ، فجعلناه في صورة رجل من بني آدم إذ كانوا لا يطيقون رؤية الملَك بصورته التي خلفته بها ، التبس عليهم أمره فلم يدروا ملك هو أم أنسيّ ، فلم يوقنوا به أنه ملك ولم يصدّقوا به ، وقالوا : ليس هذا ملكا ، وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقية أمرك وصحة برهانك وشاهدك على نبوّتك . يقال منه : لَبَسْتُ عليهم الأمر ألْبِسُهُ لَبْسا : إذا خلطته عليهم ، ولَبِسْتُ الثوبَ ألْبَسُهُ لُبْسا ، واللّبُوس : اسم الثياب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ يقول : لشبهنا عليهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ يقول : ما لبس قوم على أنفسهم إلا لبس الله عليهم واللبس : إنما هو من الناس .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ يقول : شبّهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم .

وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك قول آخر ، وهو ما :

حدثني به محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ فهم أهل الكتاب فارقوا دينهم وكذّبوا رسلهم ، وهو تحريف الكلام عن مواضعه .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : وَللَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ يعني التحريف : هم أهل الكتاب ، فرّقوا ودينهم وكذّبوا رسلهم ، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم .

وقد بينا فيما مضى قبل أن هذه الاَيات من أوّل السورة بأن تكون في أمر المشركين من عبدة الأوثان أشبه منها بأمر أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، بما أغنى عن إعادته .