قوله تعالى : { وقال } ، لهم يعقوب لما أردوا الخروج من عنده ، { يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } ، وذلك أنه خاف عليهم العين ، لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتداد قامة ، وكانوا ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين ، فإن العين حق ، وجاء في الأثر : إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر . وعن إبراهيم النخعي : أنه قال ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق . والأول أصح . ثم قال : { وما أغني عنكم من الله من شيء } ، معناه : إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين ، فإن المقدور كائن والحذر لا ينفع من القدر ، { إن الحكم } ، ما الحكم ، { إلا لله } ، هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله ، { عليه توكلت } ، اعتمدت ، { وعليه فليتوكل المتوكلون } .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما وصى به يعقوب أبناءه عند سفرهم فقال { وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ . . . } .
أى : وقال يعقوب - الأب العطوف - لأبنائه وهو يودعهم : يا بنى إذا وصلتم إلى مصر ، فلا تدخلوا كلكم من باب واحد ، وأنتم أحد عشر رجلاً بل ادخلوا من أبوابها المتفرقة ، بحيث يدخل كل اثنين أو ثلاثة من باب .
قالوا : وكانت أبواب مصر في ذلك الوقت أربعة أبواب .
وقد ذكر المفسرون أسباباً متعددة لوصية يعقوب هذه لأبنائه ، وأحسن هذه الأسباب ما ذكره الآلوسى في قوله : نهاهم عن الدخول من باب واحد ، حذراً من إصابة العين ، أى من الحسد ، فإنهم كانوا ذوى جمال وشارة حسنة . . فكانوا مظنة لأن يعانوا - أى لأن يحسدوا - إذا ما - دخلوا كوكبة واحدة . . .
ثم قال : والعين حق ، كما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصح أيضاً بزيادة " ولو كان شئ يسبق القدر سبقته العين " .
وقد ورد أيضاً : " إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر " .
وقيل : إن السبب في وصية يعقوب لأبنائه بهذه الوصية ، خوفه عليهم من أن يسترعى عددهم حراس مدينة مصر إذا ما دخلوا من باب واحد ، فيترامى في أذهانهم أنهم جواسيس أو ما شابه ذلك ، فربما سجنوهم ، أو حالوا بينهم وبين الوصول إلى يوسف - عليه السلام - . . .
وقوله { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ } اعتراف منه - عليه السلام - بأن دخولهم من الأبواب المتفرقة ، لن يحول بينهم وبين ما قدره - تعالى - وأراده لهم ، وإنما هو أمرهم بذلك من باب الأخذ بالأسباب المشروعة .
أى : وإنى بقولى هذا لكم ، لا أدفع عنكم شيئا قدره الله عليكم ، ولو كان هذا الشئ قليلا .
{ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ } أى : ما الحكم في كل شئ إلى لله - تعالى - وحده لا ينازعه في ذلك منازع . ولا يدافعه مدافع .
{ وعليه } وحده { توكلت } في كل أمورى .
{ وعليه } وحده { فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون } أى المريدون للتوكل الحق ، والاعتماد الصدق الذي لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأمر بها .
إذ أن كلا من التوكل والأخذ بالأسباب مطلوب من العبد ، إلا أن العاقل عندما يأخذ في الأسباب يجزم بأن الحكم لله وحده في كل الأمور ، وأن الأسباب ما هي إلا أمور عادية ، يوجد الله - تعالى - معها ما يريد إيجاده ، ويمنع ما يريد منعه ، فهو الفعال لما يريد .
ويعقوب - عليه السلام - عندما أوصى أبناءه بهذه الوصية ، أرادبها تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه ، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة تأدباً مع الله - تعالى - واضع الأسباب ومشرعها . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.