أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (88)

روي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة لأصحابه يوما وبالغ في إنذارهم ، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ، ويسيحوا في الأرض ، ويجبوا مذاكيرهم . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إني لم أمر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فنزلت .

{ وكلوا ما رزقكم الله حلالا طيبا } أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله ، فيكون حلالا مفعول كلوا ومما حال منه تقدمت عليه لأنه نكرة ويجوز أن تكون من ابتدائية متعلقة بكلوا ، ويجوز أن تكون مفعولا وحلالا حال من الموصول ، أو العائد المحذوف ، أو صفة لمصدر محذوف وعلى الوجوه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة . { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (88)

قوله : { وكلوا ممّا رزقكم الله حلالاً طيّباً } تأكيد للنهي عن تحريم الطّيبات وهو معطوف على قوله : { لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم } أي أنّ الله وسّع عليكم بالحلال فلا تعتدوه إلى الحرام فتكفروا النعمة ولا تتركوه بالتحريم فتُعرضوا عن النعمة .

واقتُصِر على الأكل لأنّ معظم ما حرّمه الناس على أنفسهم هو المآكل . وكأنّ الله يعرّض بهم بأنّ الاعتناء بالمهمّات خير من التهمّم بالأكل ، كما قال { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] الآية . وبذلك أبطل ما في الشرائع السابقة من شدّة العناية بأحكام المأكولات . وفي ذلك تنبيه لِهذه الأمّة .

وقوله { واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } جاء بالموصول للإيماء إلى علّة الأمر بالتقوى ، أي لأنّ شأن الإيمان أن يقتضي التقوى ، فلمّا آمنتم بالله واهتديتم إلى الإيمان فكمِّلوه بالتقوى . روي أنّ الحسن البصري لقيَ الفرزدق في جنازة ، وكانا عند القبر ، فقال الحسن للفرزدق : ما أعدَدْت لهذا . يعني القَبر . قال الفرزدق : شهادة أن لا إله إلاّ الله كذا كذا سنة . فقال الحسن : هذا العمود ، فأين الأطْناب .