أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

{ قل لا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً } فكيف املك لكم فأستعجل في جلب العذاب إليكم . { إلا ما شاء الله } أن أملكه أو ولكن ما شاء الله من ذلك كائن . { لكل أمّة أجل } مضروب لهلاكهم . { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } لا يتأخرون ولا يتقدمون فلا تستعجلون فسيحين وقتكم وينجز وعدكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

ثم أمره تعالى أن يقول لهم { لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله } ، المعنى قل لهم يا محمد رداً للحجة إني { لا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً } من دون الله ولا أنا إلا في قبضة سلطانه وبضمن الحاجة إلى لطفه ، فإذا كنت هكذا فأحرى أن لا أعرف غيبه ولا أتعاطى شيئاً من أمره ، لكن { لكل أمة أجل } انفرد الله تعالى بعلم حده ووقته ، فإذا جاء ذلك الأجل في موت أو هلاك أمة لم يتأخروا ساعة ولا أمكنهم التقدم عن حد الله عز وجل ، وقرأ ابن سيرين «آجالهم » بالجمع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

معنى : { لا أملك لنفسي ضَراً ولا نفعاً } : لا أستطيع ، كما تقدم في قوله تعالى : { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضَراً ولا نفعاً } في سورة [ العقود : 76 ] .

وقدم الضر على النفع لأنه أنسب بالغرض لأنهم أظهروا استبطاء ما فيه مضرتهم وهو الوعيد ولأن استطاعة الضر أهون من استطاعة النفع فيكون ذكر النفع بعده ارتقاء . والمقصود من جمع الأمرين الإحاطةُ بجنسي الأحوال . وتقدم في سورة الأعراف وجه تقديم النفع على الضر في نظير هذه الآية .

وقوله : { إلا ما شاء الله } استثناء منقطع بمعنى لكن ، أي لكن نفعي وضري هو ما يشاءه الله لي . وهذا الجواب يقتضي إبطال كلامهم بالأسلوب المصطلح على تلقيبه في فن البديع بالمذهب الكلامي ، أي بطريق برهاني ، لأنه إذا كان لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً فعدم استطاعته ما فيه ضَر غيره بهذا الوعد أولى من حيث إن أقرب الأشياء إلى مقدرة المرء هو ما له اختصاص بذاته ، لأن الله أودع في الإنسان قدرة استعمال قواه وأعضائه ، فلو كان الله مقدراً إياه على إيجاد شيء من المنافع والمضار في أحوال الكون لكان أقرب الأشياء إلى إقداره ما له تعلق بأحوال ذاته ، لأن بعض أسبابها في مقدرته ، فلا جرم كان الإنسان مسيّراً في شؤونه بقدرة الله لأن معظم أسباب المنافع والمضار من الحوادث منوط بعضه ببعض ، فموافقاته ومخالفاته خارجة عن مقدور الإنسان ، فلذلك قد يقع ما يضره وهو عاجز عن دفعه .

فكان معنى الجواب : أن الوعد من الله لا مِني وأنا لا أقدر على إنزاله بكم لأن له أجلاً عند الله .

وجملة : { لكل أمة أجل } من المقول المأمور به ، وموقعها من جملة : { لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً } موقع العلة لأن جملة { لا أملك لنفسي } اقتضت انتفاء القدرة على حلول الوعد .

وجملة : { لكل أمة أجل } تتضمن أن سبب عدم المقدرة على ذلك هو أن الله قدر آجال أحوال الأمم . ومن ذلك أجل حلول العقاب بهم بحكمة اقتضت تلك الآجال فلا يحل العقاب بهم إلا عند مجيء في ذلك الأجل ، فلا يقدر أحد على تغيير ما حدده الله .

وصورة الاستدلال بالطريق البرهاني أن قضية { لكل أمة أجل } قضية كلية تشمل كل أمة . ولما كان المخاطبون من جملة الأمم كانوا مشمولين لحكم هذه القضية فكأنه قيل لهم : أنتم أمة من الأمم ولكل أمة أجل فأنتم لكم أجل فترقبوا حلوله .

وجملة : { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } صفة ل ( أجل ) ، أي أجل محدود لا يقبل التغير . وقد تقدم الكلام على نظيرها في سورة الأعراف .

و { إذا } في هذه الآية مشربة معنى الشرط ، فلذلك اقترنت جُملة عاملها بالفاء الرابطة للجواب معاملة للفعل العامل في ( إذا ) معاملة جواب الشرط .