أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

فيهن في الجنان فإن جنتان تدل على جنان هي للخائفين أو فيما فيهما من الأماكن والقصور أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش قاصرات الطرف نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان لم يمس الإنسيات إنس ولا الجنيات جن وفيه دليل على أن الجن يطمثون وقرأ الكسائي بضم الميم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

والضمير في قوله : { فيهن } للفرش ، وقيل للجنات ، إذ الجنتان جنات في المعنى . والجنى ما يجتنى من الثمار ، ووصفه بالدنو ، لأنه فيما روي في الحديث يتناوله المرء على أي حالة كان من قيام أو جلوس أو اضطجاع{[10846]} لأنه يدنو إلى مشتهيه . و : { قاصرات الطرف } هي الحور العين ، قصرن ألحاظهن على أزواجهن .

وقرأ أبو عمرو عن الكسائي وحده وطلحة وعيسى وأصحاب علي وابن مسعود : «يطمُثهن » بضم الميم . وقرأ جمهور القراء : «يطمِثهن » بكسر الميم . والمعنى : لم يفتضضهن{[10847]} لأن الطمث دم الفرج ، فيقال لدم الحيض : طمث ، ولدم الافتضاض : طمث ، فإذا نفي الافتضاض ، فقد نفي القرب منهن بجهة الوطء . قال الفراء : لا يقال طمث إلا إذا افتض .

قال غيره : طمث ، معناه : جامع بكراً أو غيرها .

واختلف الناس في قوله : { ولا جان } فقال مجاهد : الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن ، إذا لم يذكر الزوج الله تعالى ، فتنفي هذه الآية جميع المجامعات . وقال ضمرة بن حبيب : الجن لهم { قاصرات الطرف } من الجن نوعهم ، فنفى في هذه الآية الافتضاض عن البشريات والجنيات .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل اللفظ أن يكون مبالغة وتأكيداً ، كأنه قال : { لم يطمثهن } شيء ، أراد العموم التام ، لكنه صرح من ذلك بالذي يعقل منه أن يطمث . وقال أبو عبيدة والطبري : إن من العرب من يقول : ما طمث هذا البعير حبل قط ، أي ما مسه .

قال القاضي أبو محمد : فإن كان هذا المعنى ما أدماه حبل ، فهو يقرب من الأول . وإلا فهو معنى آخر غير الذي قدمناه . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «ولا جأن » بالهمز .


[10846]:أخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن البراء بن عازب في قوله: {ودانية عليهم ظلالها}، قال:(قريبة)، و{ذللت قطوفها تذليلا}، قال:(إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أي حال شاءوا)، وفي لفظ قال:(ذللت لهم فيتناولون منها كيف شاءوا).(الدر المنثور).
[10847]:الافتضاض هو النكاح بالتدمية، (نقله صاحب اللسان عن الفراء).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فيهن} يعني في هذه الجنان الأربع في التقديم: جنة عدن، وجنة النعيم، وجنة الفردوس، وجنة المأوى، ففي هذه الجنان الأربع جنان كثيرة في الكثرة مثل ورق الشجر، ونجوم السماء، يقول: {فيهن قاصرات الطرف} يعني النساء يقول: حافظات النظر عن الرجال، لا ينظرن إلى أحد غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} لأنهن خلقن في الجنة مع شجر الجنة يعني لم يطمثهن إنس قبل أهل الجنة، ولا جان يعني جن. حدثنا عبد الله، قال: قال أبي: قال أبو صالح: قال مقاتل: {لم يطمثهن} لم يدميهن. قال أبو محمد: وقال الفراء: الطمث الدم، يقال: طمثتها أدميتها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره في هذه الفرش التي بطائنها من إستبرق" قاصِرَاتُ الطّرْفِ "وهنّ النساء اللاتي قد قُصرَ طرفهنّ على أزواجهنّ، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال... وقوله: "لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ" يقول: لم يمسهن إنس قبل هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم، وهم الذين قال فيهم "ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ" ولا جان يقال منه: ما طمث هذا البعيرَ حبلٌ قطّ: أي ما مَسّهُ حبل.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الطمث هو النكاح بالتدمية، ويقول: الطمث هو الدم، ويقول: طمثها إذا دماها بالنكاح. وإنما عنى في هذا الموضع أنه لم يجامعهنّ إنس قبلهم ولا جانّ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

كقوله في آية أخرى: {حور مقصورات في الخيام} ذكر هذا لأن أهل الدين يكونون من أهل غيرة، لا يريدون أن تنظر زوجاتهم إلى غيرهم، ولا غيرهم ينظرون إليهن. فأخبر بالآيتين أنهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن، ولا غيرهم ينظرون إليهن حين وصفهن بأنهن {قاصرات الطرف}...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والضمير في قوله (فيهن قاصرات الطرف) عائد على الفرش التي بطائنها من استبرق، لأنه قد تقدم ذكره، وكان أولى بالعود عليه، ولو لم يتقدم هذا الذكر لجاز أن يرجع إلى الجنان وإلى الجنتين المذكورتين وغيرهما من الجنان لأنه معلوم، لكن المذكور أولى، لأن اقتضاءه له أشد، والقاصر المانع من ذهاب الشيء إلى جهة من الجهات، فالحور قاصرات الطرف عن غير أزواجهن إلى أزواجهن. والطرف جفن العين، لأنه طرف لها، فيطبق عليها تارة وينفتح تارة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان).. فهن عفيفات الشعور والنظر. لا تمتد أبصارهن إلى غير أصحابهن، مصونات لم يمسسهن إنس ولا جن...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ضمير {فيهن} عائد إلى فرش وهو سبب تأخير نعم أهل الجنة بلذة التأنّس بالنساء عن ما في الجنات من الأفنان والعيون والفواكه والفرش، ليكون ذكر الفرش مناسباً للانتقال إلى الأوانس في تلك الفرش وليجيء هذا الضمير مفيداً معنى كثيراً من لفظ قليل، وذلك من خصائص الترتيب في هذا التركيب. ف {قاصرات الطرف} كائنة في الجنة وكائنة على الفُرش مع أزواجهن قال تعالى: {وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً} [الواقعة: 34- 36] الآية. و {قاصرات الطرف}: صفة لموصوف محذوف تقديره نساء، وشاع المدح بهذا الوصف في الكلام حتى نُزّل منزلة الاسم ف {قاصرات الطرف} نساء في نظرهن مثل القصور والغضِّ خِلقة فيهن، وهذا نظير ما يقول الشعراء من المولّدين مراض العيون، أي: مثل المراض خِلقة. والقصور: مثل الغضِّ من صفات عيون المها والظباء، {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} إطناباً في التحسين، وقد جاء في الآية الأخرى {فجعلناهن أبكاراً} [الواقعة: 36]