أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

{ وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك ، فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا ، ولعله لم يوصهم بذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ ، أو كان الداعي إليها خوفه على بنيامين . وللنفس آثار منها العين والذي يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته " اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " . { وما أُغني عنكم من الله من شيء } مما قضي عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر . { إن الحكم إلا لله } يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك . { عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة للاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب ، فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

وقوله : { لا تدخلوا من باب واحد } قيل : خشي عليهم العين لكونهم أحد عشر لرجل واحد ، وكانوا أهل جمال وبسطة . قال ابن عباس والضحاك وقتادة وغيره : والعين حق ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر »{[1]} ، وفي تعوذه عليه السلام : «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة »{[2]} وقيل : خشي أن يستراب بهم لقول يوسف قبل : أنتم جواسيس ويضعف هذا ظهورهم قبل بمصر . وقيل : طمع بافتراقهم أن يستمعوا أو يتطلعوا خبر يوسف - وهذا ضعيف يرده : { وما أغني عنكم من الله من شيء } فإن ذلك لا يتركب على هذا المقصد .

وقوله : { إلا أن يحاط بكم } لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر والمعنى تعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلص . وقال مجاهد : المعنى : إلا أن تهلكوا جميعاً . وقال قتادة : إلا ألا تطيقوا ذلك .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يرجحه لفظ الآية . وانظر أن يعقوب عليه السلام قد توثق في هذه القصة ، وأشهد الله تعالى ، ووصى بنيه ، وأخبر بعد ذلك بتوكله ، فهذا توكل مع تسبب ، وهو توكل جميع المؤمنين إلا من شط في رفض السعي وقنع بماء وبقل البرية ونحوه ، فتلك غاية التوكل وعليها بعض الأنبياء عليهم السلام ، والشارعون منهم مثبتون سنن التسبب الجائز ، وما تجاوز ذلك من الإلقاء باليد مختلف في جوازه ، وقد فضله بعض المجيزين له ، ولا أقول بذلك ، وباقي الآية بين .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.