ولما كان غالب هذه الأحكام التي ذكرت في الإنفاق من أجل المحاويج وكان ما مضى شاملاً للمؤمن وغيره بيّن أن محط القصد في الحثّ عليها المؤمن قال سبحانه وتعالى : { للفقراء } أي هذه الأحكام لهم { الذين أحصروا } أي منعوا عن التكسب ، وأشار بقوله : { في سبيل الله } أي الذي له الجلال والإكرام إلى أن المقعد لهم عن ذلك الاشتغال بإقامة الدين بالجهاد وغيره { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } بالتجارة لأجل ذلك وأشار إلى شدة رضاهم عن الله سبحانه وتعالى بعدم شكايتهم فقال : { يحسبهم الجاهل } أي الذي ليس عنده فطنة الخلص { أغنياء من } أجل { التعفف } عن المسألة والتلويح بها قناعة بما أعطاهم الله سبحانه وتعالى مولاهم ورضي عنه وشرف نفس ، والتعفف تكلف العفة وهي كف ما ينبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه - قاله الحرالي .
ولما ذكر خفاءهم على الغبي ذكر جلاءهم عند المتوسم فقال : { تعرفهم } أي يا أبصر الموقنين وأفطنهم أنت ومن رسخت قدمه في متابعتك { بسيماهم } قال الحرالي : وهي صيغة مبالغة من السمة والوسم وهي العلامة الخفية التي تتراءى للمستبصر - انتهى . وتلك العلامة والله سبحانه وتعالى أعلم هي السكينة والوقار وضعف الصوت ورثاثة الحال مع علو الهمة والبراءة من الشماخة والكبر والبطر والخيلاء ونحو ذلك { لا يسئلون } لطموح أبصار بصائرهم عن الخلق إلى الخالق { الناس } من ملك ولا غيره { إلحافاً } سؤال إلزام ، أخذاً من اللحاف الذي يتغطى به للزومه لما يغطيه ، ومنه لاحفه أي لازمه . وقال الحرالي : هو لزوم ومداومة في الشيء من حروف الحلف الذي هو إنهاء الخبر إلى الغاية كذلك اللحف إنهاء السؤال إلى الغاية - انتهى . وإنما يسألون إن سألوا على وجه العرض والتلويح الخفي ، كما كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يستقرىء غيره الآية ليضيفه وهو أعرف بها ممن يستقرئه فلا يفهم مراده إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فالتعبير بالتعفف يفيد الاجتهاد في العفة والمبالغة فيها ، والتقيد بالإلحاف يدل على وقوع السؤال قليلاً جداً أو على وجه التلويح لا التصريح كما يؤيده ويؤكده المعرفة بالسيما .
ولما ذكر سبحانه وتعالى أخفى مواضع النفقة أشار إلى إخفائها لا سيما في ذلك الموضع فقال : { وما تنفقوا من خير } أي في أي وقت أنفقتموه { فإن الله } أي المستجمع لصفات الكمال { به عليم * } وإن اجتهدتم في إخفائه بإعطائه لمن لا يسأل بأن لا يعرف أو بغير ذلك ، وذكر العلم في موضع الجزاء أعظ مرغب وأخوف مرهب كما يتحقق ذلك بإمعان التأمل لذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.