نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

ولما فرغ من مثل العاري عن الشرط ضرب للمقترن بالشرط من الإنفاق مثلاً منبهاً فيه على أن غيره{[12853]} ليس مبتغى به وجه الله فقال : { ومثل } قال الحرالي : عطفاً{[12854]} على{[12855]} { الذي ينفق ماله{[12856]} رئاء الناس{[12857]} } { ولا يؤمن بالله واليوم{[12858]} الآخر } عطف مقابلة{[12859]} {[12860]}وعلى{[12861]} { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } [ البقرة : 261 ] عطف مناسبة - انتهى . { الذين ينفقون أموالهم } أي{[12862]} مثل نفقاتهم {[12863]}لغير علة{[12864]} دنياوية ولا شائبة نفسانية بل{[12865]} { ابتغاء مرضات الله } {[12866]}أي الذي له الجلال والإكرام{[12867]} فلذلك صلح كل الصلاح فعري عن المن والأذى وغيرهما من الشوائب الموجبة للخلل{[12868]} قال الحرالي : والمرضاة مفعلة لتكرر{[12869]} الرضى ودوامه - انتهى . { وتثبيتاً من أنفسهم } بالنظر في إصلاح العمل وإخلاصه بالحمل على الحلم{[12870]} والصفح والصبر على جميع مشاق التكاليف{[12871]} فإن من راض{[12872]} نفسه بحملها{[12873]} على بذل المال الذي هو{[12874]} شقيق الروح وذلت له خاضعة وقل طمعها في اتباعه لشهواتها{[12875]} فسهل{[12876]} عليه حملها على سائر العبادات ، ومتى{[12877]} تركها وهي مطبوعة{[12878]} على النقائص{[12879]} زاد طمعاً{[12880]} في اتباع الشهوات ولزوم الدناءات ، فمن للتبعيض مفعول به مثلها في قولهم : لين من{[12881]} عطفه{[12882]} وحرك{[12883]} من نشاطه { كمثل جنة } أي بستان ومثل صاحبها . قال الحرالي : ولما كان حرث الدنيا حباً وثمراً{[12884]} جعل نفقات الأخرى كذلك حباً وتمراً . فمن أنفق في السبيل جعل مثله كالحب ، ومن أنفق ابتغاء لمرضاة{[12885]} الله جعل مثله كالجنة{[12886]} التي لها أصل ثابت تدور عليها الثمرات وهي ثابتة{[12887]} وتستغني{[12888]} من الماء بما{[12889]} لا يستغني به الحرث لأن الحرث مستجد في كل وقت ، كما أن الجهاد واقع عند الحاجة إليه والمنفق ابتغاء مرضاة الله ينفق في كل وجه دائم الإنفاق ، فكان مثله مثل الجنة{[12890]} الدائمة ليتطابق المثلان{[12891]} بالممثولين ، فعمت هذه النفقة{[12892]} جهات الإنفاق كلها في جميع سبل الخير - انتهى .

( بربوة } أي مكان عال ليس بجبل . قال الحرالي : في إعلامه أن خير الجنات ما كان في الربوة لتنالها الشمس وتخترقها الرياح اللواقح ، فأما ما كان من الجنان في الوهاد تجاوزتها الرياح اللواقح من فوقها فضعفت حياتها ، لأن الرياح هي حياة النبات " الريح من نفس الرحمن " انتهى . ثم وصفها بقوله : { أصابها وابل } أي مطر كثير { فأتت أكلها } أي أخرجته بإذن الله {[12893]}سبحانه وتعالى{[12894]} حتى صار في قوة المعطي { ضعفين } أي مثل ما كانت تخرجه لو أصابها دون الوابل - كذا قالوا : مثلين ، والظاهر أن المراد أربعة أمثاله ، لأن المراد بالضعف قدر الشيء ومثله معه فيكون الضعفان أربعة - والله سبحانه وتعالى أعلم ؛ والآية من الاحتباك ، ذكر المنفق أولاً دال على حذف صاحب الجنة ثانياً ، وذكر الجنة ثانياً دال على حذف النفقة أولاً .

ولما كان الوابل قد لا يوجد قال : { فإن لم يصبها وابل فطل } أي فيصيبها لعلوها طل ، وهو الندى الذي ينزل في الضباب . وقال الحرالي : الطل سن{[12895]} من أسنان المطر خفي لا يدركه الحس حتى يجتمع ، فإن المطر ينزل خفياً عن الحس وهو الطل ، ثم يبدو بلطافة وهو الطش{[12896]} ، ثم يقوى وهو الرش ، ثم يتزايد ويتصل وهو الهطل{[12897]} ، ثم يكثر ويتقارب وهو الوابل ، ثم يعظم سكبه وهو الجود ؛ فله أسنان مما لا يناله الحس للطافته إلى ما لا يحمله الحس كثرة{[12898]} - انتهى{[12899]} . والمعنى أن أهل هذا الصنف لا يتطرق إلى أعمالهم فساد ، غايتها أن يطرقها النقص باعتبار ضعف النيات ، ولذلك كان التقدير تسبيباً عن ذلك : فالله بما تستحقون{[12900]} على نياتكم عليم ، فعطف عليه قوله{[12901]} : { والله } {[12902]}أي المحيط علماً وقدرة{[12903]} { بما تعملون } أي بما ظهر منه { بصير * } كما هو كذلك بما بطن ، فاجتهدوا في إحسان الظاهر والباطن . {[12904]}وقدم مثل العاري عن الشرط عليه لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح{[12905]} .


[12853]:من م ومد وظ، وفي الأصل: غير.
[12854]:في مد: عطف.
[12855]:في الأصل: مثل الذين ينفقون، والتصحيح من م ومد وظ غير أن "ماله" ليس في مد وظ.
[12856]:في الأصل: مثل الذين ينفقون، والتصحيح من م ومد وظ غير أن "ماله" ليس في مد وظ.
[12857]:زيد من م.
[12858]:من م، وفي الأصل ومد وظ: ولا باليوم.
[12859]:من مد، وفي الأصل وم وظ: مقابله.
[12860]:ليس في ظ.
[12861]:ليس في ظ.
[12862]:ليس في م، وزيد بعده في مد: و.
[12863]:في الأصل: بغير علمه، والتصحيح من م وظ ومد.
[12864]:في الأصل: بغير علمه، والتصحيح من م وظ ومد.
[12865]:من م وظ، وفي الأصل: مثل، وليس في مد.
[12866]:ليس في ظ.
[12867]:ليس في ظ.
[12868]:في الأصل: للخليل صلوات الله وسلامه عليه، والتصحيح من م ومد وظ.
[12869]:في ظ: لتكرار.
[12870]:في الأصل: الحكم، والتصحيح من م وظ ومد.
[12871]:في الأصل التكليف والتصحيح من م ومد وظ...
[12872]:في الأصل: أراضي، والتصحيح من م ومد وظ.
[12873]:في ظ: لحملها.
[12874]:زيد من ظ ومد.
[12875]:في مد: بشهواتها.
[12876]:من م ومد وظ، وفي الأصل: فهل.
[12877]:في الأصل: بنى، والتصحيح من م ومد وظ.
[12878]:من م ومد وظ، وفي الأصل: مقبوضة.
[12879]:من م ومد وظ، وفي الأصل: التقابض,
[12880]:في ظ: طعمها.
[12881]:من م ومد وظ، وفي الأصل: في .
[12882]:في م: عطنه.
[12883]:من م ومد وظ، وفي الأصل: جرى.
[12884]:في م: ثمر.
[12885]:في الأصل: المرضات، وفي م وظ ومد: مرضات.
[12886]:في الأصل: كالحبة، والتصحيح من م ومد وظ.
[12887]:زيد من م و ظ ومد.
[12888]:من م ومد وظ، وفي الأصل: يستغني.
[12889]:من م ومد وظ، وفي الأصل: مما.
[12890]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الحبة.
[12891]:في الأصل: الثلاث، والتصحيح من م وظ ومد.
[12892]:من م ومد وظ، وفي الأصل: المنفقة.
[12893]:ليس في مد.
[12894]:ليس في مد.
[12895]:زيد من م وظ ومد.
[12896]:في م: الكش.
[12897]:وقع في ظ: الطهل ـ مصحفا.
[12898]:من م ومد وظ، وفي الأصل: كثيرة.
[12899]:ليس في ظ.
[12900]:من مد وظ، في م: يستحقون، وفي الأصل: يستخفون.
[12901]:ليس في ظ.
[12902]:ليست في ظ.
[12903]:ليست في ظ.
[12904]:ليست في مد.
[12905]:ليست في مد.