نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

فلما أساء الأدب ، فاشتد تشوف السامع إلى معرفة جوابه عنه ، استأنف تعالى الإخبار بذلك ، فحكى أنه ذكر له ما لا يمكنه أن يدعي طاعته له ، وهو أكثر تغيراً وأعجب تنقلاً بأن { قال رب المشرق والمغرب } أي الشروق والغروب ووقتهما وموضعهما { وما بينهما } أي من الناس الذين ليسوا في طاعتكم ، والحيوان والجماد ، بسبب ما ترون من قدرته على تقليب النيرات من بزوغ الشمس والقمر والنجوم وأفولها وما يظهر عنهما من الليل والنهار على تصاريف مختلفة ، وحركات متقاربة لو لا هي لما علمتم شيئاً من أموركم ، ولا تمكنتم من أحوالكم ، وهذا الدليل أبين الكل لتكرر الحركة فيه وغير ذلك من معالمه ، ولذلك بهت نمرود لما ألقاه عليه الخليل عليه الصلاة والسلام .

ولما دعاه صلى الله عليه وسلم باللين فأساء الأدب عليه في الجواب الماضي ، ختم هذا البرهان بقوله : { إن كنتم تعقلون } أي فأنتم تعلمون ذلك ، فخيرهم بين الإقرار بالجنون أو العقل ، بما أشار إليه من الأدلة في مقابلة ما نسبوه إليه من الجنون بسكوتهم وقول عظيمهم بغير شبهة ، رداً لهم عن الضلالة ، وإنقاذاً من واضح الجهالة ، فكان قوله أنكأ مع أنه ألطف ، وأوضح مع أنه أستر وأشرف .