ولما نهى عما منع النصر بالنهي عن الربا ، المراد بالنهي عنه الصرف عن مطلق الإقبال على الدنيا ، المشار إلى ذمها في قوله تعالى : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين{[19183]} }[ آل عمران : 14 ] ، وأمر بما تضمن الفوز والنجاة والقرب ، وكان ذلك قد يكون مع التواني أمر بالمسارعة فيه توصلاً إلى ما أعد للذين اتقوا الموعودين بالنصر المشروط بتقواهم وصبرهم في قوله :{ بلى إن تصبروا {[19184]}وتتقوا{[19185]} ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم{[19186]} }[ آل عمران : 125 ] ، { وإن تصبرو وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً }[ آل عمران : 120 ] الموصوفين بما تقدم في قوله تعالى في المقصد الثالث من{[19187]} دعائم هذه السورة
{ قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا{[19188]} }[ آل عمران : 15 ] ، على وجه أبلغ من ذلك بالمسارعة إلى ما يوجب المغفرة من الرب اللطيف بعباده ، وإلى ما يبيح الجنة الموصوفة بالاجتهاد{[19189]} [ في الجهاد {[19190]} ] على [ ما{[19191]} ] يجد{[19192]} رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقوى ، فإن هذه الجنة أعدت للمتقين الذين تقدمت الإشارة إليهم في قوله تعالى :{ واتقوا الله لعلكم تفلحون{[19193]} }[ آل عمران : 130 ] الذين يتخلون عن الأموال وجميع مصانع{[19194]} الدنيا فلا تمتد{[19195]} أعينهم إلى الازدياد من شيء منها ويتحلون بالزهد فيها والإنفاق لها في سبيل الله في مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهاد وغيره في السراء والضراء ، لا بالإقبال على الدنيا من غنيمة أو غيرها إقبالاً يخلّ ببعض الأوامر ، و{[19196]}بالصبر بكظم الغيظ عمن أصيب منهم بقتل او جراحة ، والعفو عمن يحسن العفو عنه في التمثيل بالقتل في أحد أو غير ذلك إرشاداً إلى أن لا يكون جهادهم إلا غضباً لله تعالى ، لا مدخل فيه لحظ من حظوظ النفس أصلاً ، وبالصبر أيضاً على حمل النفس على الإحسان إلى من أساء بذلك أو غيره كما فعل صلى الله عليه وسلم في فتح مكة بعد أن كان حلف ليمثلن بسبعين منهم مكان تمثيلهم بسيد{[19197]} الشهداء أسد الله وأسد رسوله عمه حمزة ابن ساقي الحجيج عبد المطلب ، فإنه وقف صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي كان أعظم أيام الدنيا الذي أثبت فيه نور الإسلام عل مشرق الأرض{[19198]} ومغربها ، فهزم{[19199]} ظلام الكفر وضرب أوتاده في كل قطر على درج الكعبة وهم في قبضته فقال :
" ما تظنون إني فاعل بكم يا معشر قريش ؟ قالوا : خيراً ! أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء " ، وبالاستغفار عن{[19200]} عمل الفاحشة من خذلان المؤمنين أو أكل الربا أو التولي عن{[19201]} قتال الأعداء ، وعن ظلم النفس من محبة الدنيا الموجب للإقبال على الغنائم التي كانت سبب الانهزام أو غير ذلك مما{[19202]} أراد الله تعالى فقال تعالى : { وسارعوا } أي بأن تفعلوا في الطاعات فعل من يسابق خصماً { إلى مغفرة من ربكم } أي المحسن إليكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب بعمل ما يوجبها{[19203]} من التوبة والإخلاص وكل ما يزيل العقاب { وجنة } أي عظيمة جداً{[19204]} بعمل كل ما يحصل الثواب ، ثم بين عظمها بقوله : { عرضها السماوات والأرض } أي كعرضهما ، فكيف بطولها{[19205]} ، ويحتمل أن يكون كطولهما ، فهي أبلغ من آية الحديد - كما يأتي لما{[19206]} يأتي ، وعلى قراءة { سارعوا } بحذف الواو يكون التقدير : سارعوا بفعل ما تقدم ، فهو في معناه ، لا مغائر له .
ولما وصف الجنة بين أهلها بقوله : { أعدت } أي الآن وفرغ منها { للمتقين * } وهم الذين صارت التقوى شعارهم ، فاستقاموا واستمروا على الاستقامة ، ثم وصف المتقين بما تضمن تفصيل الطاعة المأمور بها قبل إجمالاً ، على وجه معرف بأسباب النصر إلى آخر ما قص من خبر الأنبياء الماضين{[19207]} ومن معهم من المؤمنين{[19208]} بادئاً بما هو أشق الأشياء ولا سيما في ذلك الزمان من التبر ومن المال الذي هو عديل الروح فقال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.