نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

ولما كان موت الرأس من أنصار الدين لا يصلح أن يكون سبباً للفرار إلا إذا كان موته بغير إذن صاحب الدين ، وكان الفرار لا يصلح إلا إذا كان يمكن أن يكون سبباً للنجاة ، وأما إذا كان موته لا يكون إلا بإرادة رب الدين ، والفرار لا يكون سبباً{[19325]} في زيادة الأجل ولا نقصه ؛ أشار إلى ذلك بقوله : { وما كان لنفس } أي من الأنفس كائنة من كانت { أن تموت } أي بشيء من الأشياء { إلا بإذن الله } أي بعلم الملك الأعلى الذي له الإحاطة التامة وإرادته وتمكينه من قبضها " كتب لكل نفس عمرها " { كتاباً مؤجلاً } أي أجلاً لا يتقدم عنه بثبات ، ولا يتأخر عنه بفرار أصلاً .

ولما كان المعنى : فمن أقدم شكرته{[19326]} ولم يضره الإقدام ، ومن أحجم ذممته{[19327]} ولم ينفعه الإحجام ، وكان الحامل على الإقدام إيثار ما عند الله ، والحامل على الإحجام إيثار الدنيا ؛ عطف على ذلك قوله : { ومن يرد ثواب الدنيا } أي بعمله - كما افهمه التعبير بالثواب ، وهم المقبلون على الغنائم بالنهب والفارون كفراً لنعمة الله { نؤته منها } أي ما أراد ، وختام الآية يدل على أن{[19328]} التقدير هنا : وسنردي الكافرين ، ولكنه طواه رفقاً بهم { ومن يرد ثواب الآخرة } أي وهم الثابتون شكراً على إحسانه إليهم من غير أن يشغلهم شاغل عن الجهاد ، ولما كان قصد الجزاء غير قادح{[19329]} في الإخلاص منه من الله تعالى علينا قال : { نؤته } ونبه على أن العمل{[19330]} لذات الله من غير نظر إلى ثواب ولا عقاب أعلى فقال : { منها } أي وسنجزيه لشكره ، وهو معنى قوله : { وسنجزي الشاكرين * } لكنه أظهر لتعليق الحكم بالوصف وعمم .


[19325]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[19326]:من مد، وفي الأصل وظ: سكرته.
[19327]:من ظ ومد، وفي الأصل: ديمته.
[19328]:سقط من ظ.
[19329]:من ظ ومد، وفي الأصل: فادرج.
[19330]:تأخر في الأصل عن "العمل".