ولما تبين بما مضى من جرأتهم على المعاصي وإسراعهم فيها استحقاقهم لدوام الخزي والصغار ، أخبر أنه فعل بهم ذلك على وجه موجب للقطع بأنهم مرتبكون{[33855]} في الضلال ، مرتكبون سيىء الأعمال ، ما دام عليهم ذلك النكال ، فقال : { وإذ } وهو عطف على { وسئلهم } أي{[33856]} واذكر لهم حين { تأذن } أي أعلم إعلاماً عظيماً جهراً معتنى به { ربك } أي المربي لك والممهد لأدلة شريعتك والناصر لك على من خالفك .
ولما كان ما قيل جارياً مجرى القسم ، تلقى بلامه{[33857]} ، فكان كأنه قيل : تاذن مقسماً بعزته وعظمته وعلمه وقدرته : { ليبعثن } أي من مكان بعيد ، وأفهم أنه بعث عذاب بأداة الاستعلاء المفهمة لأن المعنى : ليسلطن { عليهم } أي اليهود ، ومد زمان التسليط فقال : { إلى يوم القيامة } الذي هو الفيصل{[33858]} الأعظم { من يسومهم } أي ينزل بهم دائماً { سوء العذاب } بالإذلال والاستصغار وضرب الجزية والاحتقار ، وكذا فعل سبحانه فقد سلط عليهم الأمم{[33859]} ومزقهم في الأرض كل ممزق من حين أنكروا رسالة المسيح عليه السلام ، كما أتاهم به الوعد الصادق في التوراة ، وترجمة ذلك موجودة بين أيديهم الآن في قوله في آخر السفر الأول : لا يزول القضيب من آل يهودا ، لا يعدم سبط يهودا ملكاً مسلطاً واتخاذه نبياً مرسلاً حتى يأتي الذي له الملك - وفي نسخة : الكل - وإياه تنتظر الشعوب ، يربط بالحبلة جحشه ؛ وقال السموأل في أوائل كتابه غاية المقصود : نقول لهم : فليس في التوراة التي في أيديكم ما تفسيره{[33860]} : لا يزول الملك من آل يهودا والراسم{[33861]} بين ظهرانيهم إلى أن يأتي المسيح {[33862]}فلا يقدرون على جحده ، فنقول لهم : إذاً علمتم أنكم كنتم أصحاب دولة وملك إلى ظهور المسيح ثم انقضى ملككم - انتهى . ومن أيام رسالة المسيح{[33863]} سلط الله عليهم الأمم ومزقهم في الأرض ، فكانوا مرة تحت حكم البابليين ، وأخرى تحت أيدي المجوس ، وكرة تحت قهر الروم من بني العيص ، وأخرى{[33864]} في أسر غيرهم إلى أن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فضرب عليهم الجزية هو وأمته من بعده .
ولما كان السياق للعذاب وموجباته ، علل ذلك مؤكداً بقوله : { إن ربك } أي المحسن إليك بإذلال أعدائك الذين هم أشد الأمم لك ولمن آمن بك عداوة { لسريع العقاب } أي يعذب عقب الذنب بالانتقام{[33865]} باطناً بالنكتة السوداء في القلب ، وظاهراً - إن أراد - بما يريد ، وهذا بخلاف ما في الأنعام فإنه في سياق الإنعام بجعلهم خلائف .
ولما رهب ، رغب بقوله : { وإنه لغفور } أي محاء للذنوب عيناً وأثراً لمن تاب {[33866]}وآمن{[33867]} { رحيم* } أي مكرم منعم بالتوفيق لما يرضاه ثم بما يكون سبباً له من الإعلاء{[33868]} في الدنيا والآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.