نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

قوله تعالى : { يسألونك } أي الذين عند ربك هم الذين هزموا الكفار في الحقيقة كما علمتم ذلك - وسيأتي بيانه ، فهم المستحقون للأنفال وليس لهم إليها{[34495]} التفات وإنما همهم العبادة ، والذين عندك{[34496]} إنما جعلتهم آلة ظاهرة ومع ذلك فهم يسألون { عن الأنفال } التي توليتهم إياها{[34497]} بأيدي جنودي سؤال منازعة ينبغي الاستعاذة بالله منها - كما{[34498]} نبه عليه{[34499]} آخر الأعراف - لأن ذلك يفضي إلى افتراق الكلمة والضعف عن مقاومة{[34500]} الأعداد ، وهو جمع نفل - بالتحريك ، وهو ما يعطاه الغازي زيادة على سهمه ، والمراد بها{[34501]} هنا الغنيمة ، وهي المال المأخوذ من أهل الحرب قهراً ، سميت هنا بذلك لأن أصلها في اللغة الزيادة ، وقد فضل المسلمون بها على سائر الأمم .

ولما كان السؤال عن حكمها ، كان كأنه قيل : فماذا يفعل ؟ فقال دالاًّ على أنهم سألوا عن مصرفها وحكمها - ليطابق الجواب السؤال : { قل } أي لهم في جواب سؤالهم { الأنفال لله } أي الذي ليس النصر إلا من عنده لما له من صفات الكمال { والرسول } أي الذي كان جازماً بأمر الله مسلماً لقضائه ماضياً فيما أرسله به غير متخوف من

مخالطة الردى بمواقعة{[34502]} العدى ؛ قال أبو حيان{[34503]} : ولا خلاف أن الآية نزلت في يوم بدر وغنائمه{[34504]} ، وقال ابن زيد : لا نسخ ، إنما أخبر أن الغنائم لله من حيث إنها ملكه ورزقه ، وللرسول عليه السلام من حيث هو مبين لحكم الله والصادع فيها بأمره ليقع التسليم من الناس ، وحكم القسمة نازل خلال ذلك - انتهى .

ولما أخبر سبحانه أنه لا شيء لهم فيها إلا عن أمر الله ورسوله ، وكان ذلك موحباً لتوقفهم إلى بروز أمره سبحانه على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانت التقوى موجبة للوقوف خوفاً حتى يأتي الدليل الذي يجسّر على المشي وراءه ، سبب عن ذلك قوله : { فاتقوا الله } أي خافوا خوفاً عظيماً في جميع أحوالكم{[34505]} من الذي لا عظمة لغيره ولا أمر لسواه ، فلا تطلبوا شيئاً{[34506]} بغير أمر{[34507]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتخاصموا ، فإن الله تعالى الذي رحمكم بإرسال رسول لنجاتكم وإنزال كتاب لعصمتكم غير مهمل{[34508]} ما يصلحكم ، فهو يعطيكم ما سبق في علمه الحكم بأنه لكم ، ويمنعكم ما ليس لكم { وأصلحوا ذات بينكم } أي الحال التي هي صاحبة افتراقكم واجتماعكم ، فإن أغلب أمرها البين الذي هو القطيعة ، وقد أشرفت على الفساد بطلب كل فريق الأثرة على صاحبه فأقبلوا على رعايتها بالتسليم لأمر الله ورسوله الأمرين بالإعراض عن الدنيا ليقسمها بينكم على سواء ، القوي والضعيف سواء ، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ، لتجتمع{[34509]} كلمتكم فيشتد أمركم ويقوى أزركم فتقدروا على إقامة الدين وقمع{[34510]} المفسدين { وأطيعوا الله } أي الذي له جميع العظمة { ورسوله } أي الذي عظمته من عظمته في كل ما يأمرانكم به من تنفيل لمن يراه وإنفاذ شرط ووفاء عهد لمن عاهده .

ولما أمر ونهى هيج وألهب فقال مبيناً كون الإيمان مستلزماً للطاعة : { إن كنتم مؤمنين* } أي صادقين في دعوى الإيمان ، فليس كل من يدعي شيئاً يكون صادقاً في دعواه حتى يحصل البيان بالامتحان ، ولذلك وصل به قوله مؤكداً غاية التأكيد لأن التخلص من الأعراض الدنيوية عسر : { إنما المؤمنون . . . . }


[34495]:سقط من ظ.
[34496]:من ظ، وفي الأصل: عند ربك.
[34497]:في ظ: أباياها ـ كذا.
[34498]:في ظ: لما.
[34499]:من ظ، وفي الأصل: على.
[34500]:في ظ: مقامة.
[34501]:في ظ: به.
[34502]:من ظ، وفي الأصل: بموانعة.
[34503]:راجع النهر من البحر المحيط 4/455.
[34504]:راجع النهر من البحر المحيط 4/455.
[34505]:من ظ، وفي الأصل:أحوالهم.
[34506]:في ظ: بأمر.
[34507]:في ظ: بأمر.
[34508]:من ظ، في الأصل: مهملها.
[34509]:من ظ، وفي الأصل: ليجتمع.
[34510]:من ظ، وفي الأصل:تمعكم.