نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (75)

ولما حصر المؤمنين حقاً في الموصوفين ، بين أن من ترك ما هو عليه من لزوم دار الكفر والقعود عن الجهاد ، لحق بمطلق درجتهم وإن كانوا فيها أعلى منه فقال ذاكراً القسم الرابع : { والذين آمنوا }{[35466]} ولما كانوا قد تأخروا عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم مدة ، أدخل الجار فقال : { من بعد } أي من{[35467]} بعد تأخر إيمانهم عن السابقين { وهاجروا } أي لاحقين للسابقين ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم من{[35468]} هاجر بعد الحديبية ، قال : وهي الهجرة{[35469]} الثانية { وجاهدوا معكم } أي من تجاهدونه من حزب الشيطان { فأولئك منكم } أي لهم ما لكم وعليهم ما عليكم من المواريث والمغانم وغيرها{[35470]} ، لأن الوصف الجامع هو المدار للأحكام وإن تأخرت رتبتهم عنكم كما{[35471]} أفهمته أداة البعد .

ولما بين أنهم منهم ، بين أنه متى جمعهم{[35472]} الوصف المحصل للولاية ، كان القرب في الرحم أولى من غيره فقال : { وأولو الأرحام } أي من{[35473]} المؤمنين الموصوفين { بعضهم أولى ببعض } أي في الإرث وغيره من المتصفين بولاية الدين الخالية عن الرحم { في كتاب الله } أي القرآن أو في حكمه وقسمه الذي أنزله إليكم الملك الأعظم في آيات الإرث ، وهي مقيدة بالعصبات فنسخت الولاية{[35474]} {[35475]}فلا دلالة{[35476]} على توريث غيرهم ، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة المنذر بن عمرو أن بدراً قطعت المواخاة بين الصحابة رضي الله عنهم ، يعني فتكون{[35477]} هذه الآية ناسخة آية { بعضهم أولياء بعض } وتكون تلك حينئذ مبينة أمر ما كان قبل غزوة بدر - وهو حسن ، والآية التي في سورة الأحزاب مؤيدة له ، ثم علل سبحانه ما ذكر بما يرغب فيه فقال : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال كلها { بكل شيء عليم* } فهو يعلم أن هذا هو الذي تدور عليه المصلحة وتدوم به الألفة كما علم في أول الأمر أن نوط الإرث وغيره من لوازم القرب بالأخوة الإسلامية{[35478]} أولى لما في ذلك من تكثير قلتكم ونصر ذلتكم وجمع شتاتكم وجعل ما بينكم من الأخوة كلحمة النسب ، فأما الآن فقد ضرب الدين بجرانه{[35479]} ، وثبت بقواعده وأركانه ، وولى {[35480]}الكفر بسلطانه{[35481]} ، ونكص مدبراً بأعوانه ، فتوارثوا بالإسلام والقرابة وتقاطعوا{[35482]} الكفار ، و{[35483]} قربوا وبعدوا ، وانحازوا عنهم كما انحازو عنكم ، وتبرؤوا منهم كما تبرؤوا منكم ، فقد انطبق آخر السورة بالإعراض عن الدنيا وإصلاح ذات البين وبيان المؤمنين حقاً وتقليد العليم في جميع الأعمال من غير اعتراض - على أولها{[35484]} ، وببيان من يوالي{[35485]} ومن يعادي على أول براءة - والله الموفق .

ختام السورة:

فقد انطبق آخر السورة بالإعراض عن الدنيا وإصلاح ذات البين وبيان المؤمنين حقاً وتقليد العليم في جميع الأعمال من غير اعتراض - على أولها ، وببيان من يوالي ومن يعادي على أول براءة - والله الموفق .


[35466]:زيد بعده في ظ: أي.
[35467]:سقط من ظ.
[35468]:من ظ، وفي الأصل: ما.
[35469]:في ظ: الحديبية.
[35470]:من ظ، وفي الأصل: غيرهم.
[35471]:من ظ، وفي الأصل: بما.
[35472]:سقط من ظ.
[35473]:زيد من ظ.
[35474]:زيد من ظ.
[35475]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[35476]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[35477]:في ظ: فيكون.
[35478]:في ظ: الإسلام.
[35479]:الضرب بالجران كناية عن الثبات والاستقرار.
[35480]:من ظ، وفي الأصل: الشيطان.
[35481]:من ظ، وفي الأصل: الشيطان.
[35482]:من ظ، وفي الأصل: قاطعوا.
[35483]:سقط من ظ.
[35484]:في ظ: أولهما.
[35485]:في ظ: توالي.