نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَةٞ} (3)

ولما عظمه بأن وصف صحفه التي هي محل المكتوب بالطهارة ، بين سبب ذلك فقال : { فيها } أي تلك الصحف { كتب } جمع كتاب أي علوم هي لنفاستها حقيقة بأن تكتب { قيمة * } أي هي في غاية الاستقامة لنطقها بالحق الذي لا مرية فيه ، ليس فيها شرك ولا عوج بنوع من الأنواع ، فإذا أتتهم هذه البينة انفكوا ، وانفكاكهم أنهم كانوا مجتمعين قبل هذا ، أهل الكتاب يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم لما عندهم من البشائر الصريحة به ، والمشركون يقولون : لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم ، ويقولون : نحن نعرف الحق لأهله ولا ندفعه بوجه ، فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم بما لا شبهة فيه تفرقوا ، فبعضهم آمن وبعضهم كفر .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : هي من كمال ما تقدمها ؛ لأنه لما أمره عليه الصلاة والسلام بقراءة كتابه الذي به اتضحت سبيله وقامت حجته ، وأتبع ذلك بالتعريف بليلة إنزاله وتعظيمها بتعظيم ما أهلت له مما أنزل فيها ، أتبع ذلك بتعريفه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الكتاب هو الذي كانت اليهود تستفتح به على مشركي العرب ، وتعظم أمره وأمر الآتي به ، حتى إذا حصل ذلك مشاهداً لهم كانوا هم أول كافر به ، فقال تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة - إلى قوله : وذلك دين القيمة } وفي التعريف بهذا تأكيد ما تقدم بيانه مما يثمر الخوف وينهج بإذن الله التسليم والتبرؤ من ادعاء حول أو قوة ، فإن هؤلاء قد كانوا قدم إليهم في أمر الكتاب والآتي به يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، وقد كانوا يؤملون الانتصار به عليه الصلاة والسلام من أعدائهم ويستفتحون بكتابه ، فرحم الله من لم يكن عنده علم منه كأبي بكر وعمر وأنظارهما رضي الله عنهم أجمعين ، وحرم هؤلاء الذين قد كانوا على بصيرة من أمره ، وجعلهم بكفرهم شر البرية ، ورضي عن الآخرين ورضوا عنه ، وأسكنهم في جواره ، ومنحهم الفوز الأكبر والحياة الأبدية وإن كانوا قبل بعثه عليه الصلاة والسلام على جهالة وعمى ، فلم يضرهم إذا قد سبق لهم في الأزل { أولئك هم خير البرية } انتهى .