محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَةٞ} (3)

{ فيها كتب قيمة } أي مستقيمة لا عوج فيها ، واستقامة الكتب اشتمالها على الحق الذي لا يميل إلى الباطل {[7528]} { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } والكتب التي في الصحف القرآن ، ومصاحفه إما أن تكون هي ما صح من كتب الأولين كموسى وعيسى وغيرهما مما حكاه الله في كتابه عنهم ، فإنه لم يأت منها إلا بما هو قوي سليم ، وقد ترك حكاية ما ليس فيه الملبسون ، إلا أن يكون ذكره لبيان بطلانه ، ولهذا لم يجد الجاحدون لرسالته عليه السلام من أهل الكتاب سبيلا إلى إنكار الحق ، وإنما فضلوا عليه سواه ، أو في سور القرآن ، فإن كل سورة من سوره كتاب قويم ، فصحف القرآن أو صحافه أوراق مصحفه تحتوي على سور من القرآن هي كتب قيمة ، ولما كان لسائل أن يسأل : إذا كان هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين قد انفكوا عن ذلك الظلام المطبق ، وبدا لهم من الحق ما عرفوه كما يعرفون أبناءهم ، فما بالهم لم يؤمنوا بهذا الحق الذي جاءهم ؟ أجاب الحق تعالى بأن أهل الكتاب قد جاءتهم البينة والحجة القاطعة على الحق الذي لا يختلف وجهه بما أوحى الله به إلى أنبيائهم ، وكان من حقهم أن يسترشدوا بكتبهم في معرفة سبيله حتى لا ينحرفوا عنه ، فإذا عرض لأحدهم شبهة رجع في كشفها إلى المعارف بمعاني الكتب ، ثم كان عليهم أن يحرصوا على تعلم وفهم أساليبها ، ويحافظوا عليها ، حتى لا يضللهم فيها مضلل ، لكن هذه البينة لم تفدهم شيئا ، فإنهم اختلفوا في التأويل ، وتفرقوا في المذاهب ، حتى صار أهل كل مذهب يبطل ما عند أهل المذهب الآخر ، وكان ذلك بغيا منهم ، واستمرارا في المراء ، وإصرارا على ما قاد إليه الهوى ، وهذا هو قوله تعالى : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة }


[7528]:41/ فصلت /42.