التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

غل : حقد .

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 45 ) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ ( 46 ) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ( 1 ) إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ( 47 ) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ( 2 ) وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ( 48 ) نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 49 ) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ( 50 ) } [ 45 – 50 ] .

في الآيات بيان لما سوف يلقاه المتقون في الآخرة من تكريم ومن أمن وخلود في الجنات والعيون ، والجلوس على الأسرة هادئي البال قريري العين ، وقد تطهروا من الغل والحقد وسائر الأعراض البشرية الدنيوية المكروهة ، وأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعلن الناس أن الله هو الغفور الرحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم .

والمتبادر أن الآيات الأربع الأولى جاءت تتمة لما سبقها لمقابلة ذكر مصائر الكفار جريا على الأسلوب القرآني . أما الآيتان الأخيرتان فقد جاءتا كتعقيب ختامي للكلام انطوى فيه قصد إعلان الناس أن الله كما هو الغفور الرحيم للمخلصين والتائبين فإنه شديد العذاب للجاحدين الأشرار . وقد استهدفتا فيما استهدفتاه تثبيت المتقين المخلصين ودعوة للكفار والمذنبين إلى الإنابة إلى الله .

ولعل في الآية جوابا ضمنيا لما يمكن أن يرد على بال إنسان ما مما قد يعتري المرء من أبدية حياة رتيبة ، ولو كانت نعيما من ملل حيث تطمئن أهل الجنة بأنهم لن يمسهم فيها نصب . وفي سورة فاطر التي مر تفسيرها زيادة وهي لا يمسهم فيها لغوب أيضا . واللغوب : الإعياء الذي هو فوق التعب العادي وذلك في الآيتين [ 34 – 35 ] .

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية [ 48 ] حديثا رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ينادي مناد من أهل الجنة : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبدا ){[1230]} . وهناك حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصح إيراده في مناسبة الآيتين [ 46 و 47 ] جاء فيه : ( إن أهل الجنة لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم واحدة يسبحون لله بكرة وعشيا ){[1231]} . حيث يتساوق الحديثان النبويان في التلقين والبشرى مع الآيات القرآنية .

ولقد روى ابن كثير حديثين عن مصعب بن ثابت أخرج أولهما ابن أبي حاتم وثانيهما ابن جرير . وجاء في أولهما : ( مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أناس من أصحابه يضحكون فقال اذكروا الجنة . اذكروا النار فنزلت { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 49 ) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ( 50 ) } الحجر : [ 49 – 50 ] وفي ثانيهما : ( طلع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أناس من أصحابه فقال : ألا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع القهقرى قال : إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله يقول لم تقنط عبادي ، نبئ عبادي أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم . ) .

والأحاديث ليست وثيقة وهي من المراسيل كما وصفها ابن كثير . ومقتضاها أن تكون الآيتان نزلتا لحدتهما مع أنهما منسجمتان مع ما قبلهما ومع ما بعدهما . ومن المحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلاهما في موقف مماثل للموقف المروي فالتبس الأمر على الرواة إذا صح الحديث ، والله أعلم .


[1230]:التاج جـ 5 ص 383.
[1231]:المصدر نفسه ص 375.