تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

الآية 47 : وقوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل } في الآخرة . قال بعضهم : هو صلة قوله : { إن المتقين في جنات وعيون } ( الحجر : 45 ) أي نزعنا ما في صدورهم من الغل {[9891]} الذي كان في الدنيا بالكفر{[9892]} فصاروا { إخوانا } بالإسلام الذي هداهم الله إليه ، فكانوا إخوانا .

ثم قيل لهم : ادخلوا الجنة بلا غل ، وهو ما قال : { فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } ( آل عمران : 103 ) قد نزع من قلوبهم الغل في الدنيا ، فصاروا إخوانا ، فدخلوا الجنة .

وقال بعضهم : قوله : { ونزعنا ما في صدورهم من غل } في الآخرة ، إذا دخلوا الجنة ، وتقابلوا ، واتكؤوا على سرر ، فعند ذلك ينزع الغل من قلوبهم ، والمظالم التي كانت بينهم . فإن كان هذا فهو بين أهل الإسلام .

وعلى ذلك يحتمل أن يكون : من جفا آخر في الدنيا أن ينسى الله ذلك منه {[9893]} في الجنة ، لأن ذكر الجفاء ينغص النعم التي فيها . وكذلك ما يكون بين الرجل وولده من الجفاء والعقوق ، يجوز أن ينسى [ الله ذلك منهما ]{[9894]} . وعلى ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه قال : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير .

وقوله {[9895]} تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين } قال بعضهم : يجعل الله منازلهم بعضا مقابل بعض ، فينظر بعضهم إلى بعض ، ويزور بعضهم بعضا .

وقال بعضهم : بأمر الله السرر التي هم عليها جلوس ليكون بعضها مقابل بعض ؛ إذا اشتهى بعضهم زيارة بعض ، ولا يكونون مدبرين ولا معرضين بل مقبلين . يخبر عن اجتماعهم في الآخرة في الشراب وأنواع المطاعم على ما يستحسن في الدنيا الإخوان بينهم الاجتماع على الشراب والطعام والتلذذ والنظر ، بعضهم إلى بعض .

فعلى ذلك أخبر أن لهم في الآخرة اجتماعا في الشراب والنظر وأنواع التلذذ ، والله أعلم .


[9891]:في الأصل وم: غل.
[9892]:من م،في الأصل: في الكفر.
[9893]:في الأصل وم: منهم.
[9894]:في الأصل وم: ذلك عليهم.
[9895]:في الأصل وم: وقال الله.