لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

أَمَرَ الخليلَ عليه السلام ببناء الكعبة وتطهيرها فقال : { وَطَهِّرْ بيتي } [ الحج :26 ] ، وأَمَرَ جبريلَ عليه السلام حتى غَسَلَ قلبَ المصطفى – صلى الله عليه وسلم - فَطَهَّرَهِ . وتولّى هو - سبحانه - بنفسه تطهيرَ قلوب العاصين ، فقال : { وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ الحجر :47 ] وذلك رفقاً بهم ، فقد يصنع الله بالضعيف ما يتعجَّبُ منه القوي ، ولو وكل تطهير قلوبهم إلى الملائكة لاشتهرت عيوبُهم ، فتولَّى ذلك بنفسه رفقاً بهم .

ويقال قال : { مَا في صُدُورِهِم } ولم يقل ما في قلوبهم لأن القلوب في قبضته يقلبها ، وفي الخبر : " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن " يريد بذلك قدرته ، فاستعمل لفظ الإصبع لذلك توسعاً . وقيل بين إصبعين أي نعمتين .

قوله جلّ ذكره : { إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } .

قابل بعضُهم بعضاً بالوجه ، وحفظ كلُّ واحدٍ عن صاحبه سِرَّه وقلبَه ، فالنفوس متقابلة ولكنَّ القلوبَ غيرُ متقابلة ؛ إذ لا يشتغل بعضهم ببعض ، قال تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ } .