فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ( 47 ) }

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } هو الحقد والعداوة والشحناء والبغضاء والحسد وكل ذلك مذموم داخل في الغل لأنها كامنة في القلب ، وقد مر تفسيره في الأعراف ، وعن الحسن البصري عن علي : فينا والله أهل الجنة نزلت وعنه قال نزلت في ثلاثة أحياء من العرب بني هاشم وبني تميم وبني عدي ، وفي أبي بكر وعمر ، وعنه قال : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان والزبير وطلحة فيمن قال الله { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } وعن ابن عباس قال : نزلت في عشرة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ، وفي الباب روايات .

{ إِخْوَانًا } حال مقدرة قاله أبو البقاء يعني من فاعل ادخلوها ولا حاجة إليه بل هي حال مقارنة من ضمير صدورهم ، والمعنى حال كونهم إخوة في الدين بالتعاطف والمحبة والمودة والمخالطة ، وليس المراد منه إخوة النسب ، يروى أن المؤمنين يحبسون على باب الجنة فيقتص بعضهم من بعض ثم يؤمر بهم إلى الجنة وقد نقيت قلوبهم من الغل والغش والحقد والحسد وصاروا إخوانا حال كونهم { عَلَى سُرُرٍ } من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت .

قال أبو البقاء : يجوز أن يتعلق بنفس إخوانا لأنه بمعنى متصافين أي متصافين على سرر ، وفيه نظر من حيث تأويل جامد بمشتق بعيد منه والسرر جمع سرير ، وهو مثل ما بين صنعاء إلى الجابية ، وقيل هو المجلس العالي الرفيع المهيأ للسرور ومنه قولهم سر الوادي لأفضل موضع منه .

{ مُّتَقَابِلِينَ } أي ينظر بعضهم إلى وجه بعض . قال مجاهد : لا يرى بعضهم قفا بعض ، وعن ابن عباس نحوه فإذا اجتمعوا وتلاقوا ثم أرادوا الانصراف يدور سرير كل واحد منهم بحيث يصير راكبه مقابلا بوجهه لمن كان عنده ، وقفاه إلى الجهة التي يسير لها السرير ، وهذا أبلغ في الأنس والإكرام .

وأخرج الطبراني والبغوي وابن أبي حاتم وغيرهم عن زيد بن أبي أوفى قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتلا هذه الآية قال : ( المتحابون في الله في الجنة ينظر بعضهم إلى بعض ) .