التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَتَدۡعُونَ بَعۡلٗا وَتَذَرُونَ أَحۡسَنَ ٱلۡخَٰلِقِينَ} (125)

{ وإن إلياس لمن المرسلين ( 123 ) إذ قال لقومه ألا تتقون ( 124 ) أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ( 125 ) الله ربكم ورب آبائكم الأولين ( 126 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون ( 127 ) إلا عباد الله المخلصين ( 1 )( 128 ) وتركنا عليه في الآخرين ( 129 ) سلام على إل ياسين( 2 ) ( 130 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 131 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 132 ) } [ 123- 132 ] .

تعليق على قصة إلياس عليه السلام

وهذه حلقة رابعة فيها قصة النبي إلياس مع قومه الذين كانوا يعبدون البعل من دون الله أحسن الخالقين ربهم ورب آبائهم الأولين . وقد حكت تأنيب إلياس عليه السلام لقومه وتكذيبهم له وتنويها به وثناء عليه لأنه من عباد الله المحسنين المؤمنين .

وإلياس هذا هو النبي إيليا الذي ورد ذكره في السفر الأول من أسفار الملوك حسب الطبعة البروتستانتية ، والثالث حسب الطبعة الكاثوليكية ، وما ورد في الآيات مقتضبا قد ورد مسهبا في الإصحاحات ( 16 و 17 و 18و 19 ) من السفر المذكور ؛ حيث ذكر فيها ما كان من استشراء عبادة البعل وكثرة معابده وأنبيائه في زمن آحاب ملك دولة إسرائيل بتأثير زوجته إيزابيل بنت ملك صور وما كان من إنذار إيليا لهما بأمر الله وغضبهما عليه ومحاولتهما اعتقاله والبطش به وتسليط الله عليهما غزوات خارجية وقحطا وجفافا بسبب ذلك في سياق طويل .

والمتبادر أن هذا مما كان معروفا متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق اليهود فأشير إليه في معرض التذكير والتمثيل والموعظة . وهو الهدف الملموح والجوهري في الحلقة ، حيث ذكرت ما كان من إنذار إلياس لقومه وتأنيبه لهم وتكذيبهم له وعقاب الله والتنويه به بسبب إخلاصه وإيمانه وإحسانه .

وفي كتب التفسير{[1752]} نقلا عن محمد بن إسحاق والقرظي وغيرهما من رواة الأخبار ومسلمة اليهود بيانات كثيرة حول قصة إلياس ، فيها ما ذكر في إصحاحات السفر المذكور آنفا وما لم يذكر حيث يدل هذا على أن القصة مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره .

ولم نر طائلا في اقتباس ما جاء في كتب التفسير أو إصحاحات السفر المذكور لأن القصد منها ، وهو العبرة ، قد حصل بما اقتضت حكمة التنزيل ذكره منها .

تعليق على اسم بعل

وبعل هو معبود بلاد الشام جميعها : أي سورية ولبنان وشرق الأردن وفلسطين قبل الميلاد المسيحي{[1753]} . وكان يعني إله القمر أو إله السماء . وكان كذلك في جنوب جزيرة العرب وفي العراق أيضا حيث يبدو أنه من آلهة الجنس العربي الرئيسية ، وقد قرئ في آثار اليمن اسم ( بعل سمين ) بمعنى إله السماء{[1754]} .

وقد دخلت كلمة بعل في عداد اللغة العربية الفصحى قبل الإسلام وصارت بمعنى الزوج ومالك الشيء . وقد وردت في آيات عديدة في القرآن بمعنى الزوج ومن ذلك آية سورة هود [ 72 ] التي مر تفسيرها .


[1752]:انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن.
[1753]:انظر الجزء الرابع من تاريخ الجنس العربي تأليفنا 97 و 194و 296.
[1754]:انظر الجزء الثالث من تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي ص 157.