التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

خصمون : عنيدون في الجدل والخصومة .

/خ57

تعليق على جملة

{ ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ( 58 ) }

وما ورد في سياقها من نهي النبي عن التجادل في القرآن وضرب بعضه ببعض

وجملة { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ( 58 ) } تدل على ما كان من قوة وشدة حجاج ولجاج نبهاء المشركين في أثناء جدالهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي حجاجهم الذي شرحناه في صدد عيسى مثل على ذلك فضلا عن أمثلة عديدة من ذلك مرت في السور السابقة .

ولقد روى المفسرون في سياق هذه الجملة حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صيغ مختلفة ، كلها عن أبي أمامة رضي الله عنه ، منها حديث رواه الترمذي ومسلم{[1847]} في سياق تفسير الجملة جاء فيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا قول الله تعالى : { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ( 58 ) } ) ومنها حديث رواه الطبري{[1848]} عن أبي كريب عن أحمد بن عبد الرحمن عن عباد عن جعفر بن القاسم عن أبي أمامة جاء فيه : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج عليهم وهم يتنازعون في القرآن فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ، ثم قال : لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل ثم تلا قول الله : { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ( 58 ) } ) .

والمتبادر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد من الجدل الذي غضب منه ونهى عنه ما يكون مقصودا به اللجاج والحجاج والعناد والتعنت وأراد من تعبير : ( لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ) لا تتجادلوا في آيات قد يبدو ظاهرها مناقضا لظاهر آيات أخرى جدالا يؤدي إلى تكذيب آيات الله ببعضها . والحق أن على المسلم واجب الإيمان بأنه ليس في كتاب الله اختلاف ولا تناقض . وأن عليه في حالة قصور فهمه عن إدراك حكمة الله في عبارة قرآنية أو في حالة توهمه مناقضة بين آية وأخرى أن يبحث عن حل وتأويل وتفسير في الآيات الأخرى أو يفوض الأمر إلى علم الله وحكمته ويعترف بقصور الفهم واحتمال التوهم . والعقل الإنساني مهما اتسع يظل قاصرا عن إدراك كل كلام الله وآياته وحكمته ونواميسه والمغيبات عنه . ومع ذلك فإن المرء لواجد في القرآن إذا آتاه الله فهما وأناة لكل آية مطلقة أو مشكلة في الظاهر تأويلا وتفسيرا وتوضيحا وحلا في آيات أخرى بحيث يصح القول : إن القرآن إذا اعتبر ككل وهو حق وواجب لا يوجد فيه أي تناقض ولا غموض ولا إشكال . وقد حاولنا في السور السابقة أن نجد لكل ما يبدو في الظاهر مطلقا أو مشكلا أو غامضا أو متناقضا تأويلا وحلا وتوضيحا وتوفيقا . ونرجو أن يكون الله قد سددنا في ذلك نحو الصواب ، وأن يديم توفيقه وتسديده فيما يأتي من كلامه وله الحمد في الأولى والآخرة وهو ولي التوفيق .

تعليق على تأويل الشيعة للآية

{ فلما آسفونا انتقمنا منهم . . . . . } الخ

ومع ما هو صريح قطعي من أن هذه الجملة عائدة إلى فرعون وقومه فإن مفسري الشيعة يوردون لها تأويلا آخر متسقا مع هواهم حيث يروي الكارزاني عن أبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر قوله في تأويلها : ( إن الله تعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضى نفسه وسخطهم سخط نفسه ؛ لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه . . . . . ){[1849]} وفي هذا من الشطط والتعسف ما هو ظاهر وما نحب أن ننزه أبا عبد الله عنه .


[1847]:التاج ج 4 ص 205 كتاب التفسير.
[1848]:انظر تفسير الآية في تفسير الطبري. وفي التاج حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة مقارب في صيغته لهذا الحديث وهذا نصه: (خرج علينا رسول الله ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه) التاج ج 4 ص 223.
[1849]:انظر التفسير والمفسرون للذهبي ج 2 ص 68.