التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (86)

ولاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 86 ) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ( 87 ) } [ 86 – 87 ] .

روى المفسرون{[1858]} تأويلين للآية الأولى ، أحدهما : ( إن الذين يدعوهم المشركون من دون الله مثل عيسى والعزير والملائكة لن يشفعوا إلا لمن شهد بالحق وهم يعلمون ذلك ) ثانيهما : ( إن الذين يحق لهم الشفاعة ممن يدعوهم المشركون من دون الله هم الذين يشهدون بالحق ويعلمونه فقط مثل عيسى والعزير والملائكة ، وهؤلاء لا يمكن أن يشفعوا للمشركين ) ومعظم المفسرين أخذوا بالتأويل الأول وهو الصواب المتسق مع روح الآية مع القول : إن المقصود هنا من الذين يدعوهم المشركون من دون الله هم الملائكة ؛ لأنهم هم موضوع الكلام من أول السورة ، أما الآية الثانية فقد احتوت تنديدا بتناقض المشركين فهم إذا سئلوا عمن خلقهم لما وسعهم إلا القول إنه الله ، وتساؤل استنكاري وتنديدي عن انصرافهم عنه والحالة هذه إلى غيره وإشراك غيره معه .

والآيات متصلة بسابقاتها من حيث إن الكفار المشركين هم موضوع الكلام فيها كما هو المتبادر ، والاتصال يبدوا كذلك في الحديث عن الذين يدعوهم المشركون مع الله ويأملون شفاعتهم وهم الملائكة الذين زعموا أنهم بنات الله ، وهو الزعم الذي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعلان رفضه في الآيات السابقة .

وفي الآية الأولى تخييب لآمال المشركين فهم يرجون شفاعة الملائكة . والملائكة لا يمكنهم أن يشفعوا إلا للمؤمنين بالحق العاملين به ، وقد استهدفت فيما استهدفت تسفيه المشركين وحملهم على الارعواء . وفي جملة { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 86 ) } [ 86 ] تلقين قرآني مستمر المدى بوجوب التزام الحق والشهادة به عن علم ويقين وتنويه بمن يكونون كذلك . ولقد قال بعضهم : إن الآية الثانية نسخت بآيات القتال وهذا ما يكررونه في المناسبات المماثلة ، وقد ذكرنا وجه الحق في هذه الآية وأمثالها في مناسبات سابقة فنكتفي بهذه الإشارة .


[1858]:انظر تفسير الآية في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن.