جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهُ مُعۡرِضِينَ} (5)

{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْر } طائفة من القرآن تكون موعظة { مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ{[3659]} } مجرد إنزاله { إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } استمروا على إعراضهم ، فلم يرفعوا إليه رءوسهم


[3659]:قال البخاري في صحيحه: قال ابن مسعود: عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) [علقه البخاري في صحيحه (13/ 416) بصيغة الجزم، ووصله أبو داود وغيره بإسناد حسن] وعن ابن عباس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم، وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله تقرءونه محضا لم يشب، قال البخاري: إن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] انتهى، قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه: مذهب سلف الأمة وأئمتها أنه سبحانه لم يزل متكلما إذا شاء وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وأنه نادى موسى بصوت سمعه موسى، وإنما ناداه حين أتى لم يناده قبل ذلك، وإن صوت الرب لا يماثل أصوات العباد كما أن علمه لا يماثل علمهم، وقدرته لا تماثل قدرتهم، وقد قال الإمام أحمد حينئذ وغيره: لم يزل الله متكلما إذا شاء، وهو يتكلم بمشيئته وقدرته يتكلم بشيء بعد شيء، وقالت طائفة: هو معنى واحد، وهو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي، والخبر بكل مخبر إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وبالعبرانية كان توراة، وبالسريانية كان إنجيلا، فجعلوا آية الكرسي، وآية الدين، وسائر آيات القرآن، والتوراة، والإنجيل، وكل كلام يتكلم الله به معنى واحدا لا يتعدد، ولا يتبعض وهذا القول مخالف للشرع والعقل، وقالت طائفة: هو حروف وأصوات قديمة والأعيان ملازمة لذات الله لم تزل لازمة لذاته، وأن الباء والسين والميم موجودة مقترنة بعضها ببعض معا أزلا، وأبدا لم تزل، ولا تزال لم يسبق منها شيء شيئا، وهذا أيضا مخالف للشرع، والعقل، وقالت الطائفتان: إن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وإنه في الأزل كان متكلما بالنداء الذي سمعه موسى، وإنما تجدد استماع موسى؛ لأنه ناداه حين أتى الوادي المقدس، بل ناداه قبل ذلك بما لا يتناهى، ولكن تلك الساعة سمع النداء، وهؤلاء وافقوا الذين قالوا: إن القرآن مخلوق في أصل قولهم، فإن أصل قولهم إن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية، فلا يقوم به كلام، ولا فعل باختياره ومشيئته، وقالوا: هذه حوادث، والرب لا تقوم به الحوادث، وإن يتكلم بكلام لا يقوم بنفسه، وإنه لم يستو على عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض ولا يأتي يوم القيامة، ولم يناد موسى حين ناداه، ولا تغضبه المعاصي، ولا ترضيه الطاعات، ولا تفرحه توبة التائبين، وقالوا في قوله تعالى: {وقل اعلموا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105] ونحو ذلك إنه لا يراها إذا وجدت، بل إما أنه لم يزل رائيا لها، وإما أنه لم يتجدد شيء موجود، بل تعلق معدوم إلى أمثال هذه المقالات التي خالفوا فيها نصوص الكتاب والسنة مع مخالفة صريح العقل، وخالفوا السلف والأئمة في قوله: لم يزل الله متكلما إذا شاء ووافقوا الجهمية والمعتزلة في أصل قولهم: إن الرب لا تقوم به الحوادث، والقرآن المجيد يدل على بطلان هذا الأصل في أكثر من مائة موضع وأما الأحاديث الصحيحة فلا يمكن ضبطها في هذا الباب، وقد جرد الإمام أحمد الآيات التي من القرآن تدل على بطلان قولهم، وهي كثيرة جدا، بل الآيات التي تدل على الصفات الاختيارية التي يسمونها حلول الحوادث كثيرة جدا فخالفوا صحيح المنقول، وصريح المعقول، واعتقدوا أنهم بهذا يردون على الفلاسفة، ويثبتون حدوث العالم، وأخطئوا في ذلك فلا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا انتهى. ملتقطا من مواضع مع اختصار، وقد مر بعض الكلام على هذا في صورة الأنبياء فتذكر. تالله قد لاح الصباح لمن له *** عينان نحو الفجر ناظرتان وأخو العماية في عمايته يقول *** الليل بعد أيستوي الرجلان 12.