فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهُ مُعۡرِضِينَ} (5)

{ وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ الرحمن مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } بيّن سبحانه أنه مع اقتداره على أن يجعلهم ملجئين إلى الإيمان يأتيهم بالقرآن حالاً بعد حال ، وأن لا يجدّد لهم موعظة وتذكيراً إلاّ جدّدوا ما هو نقيض المقصود ، وهو الإعراض والتكذيب والاستهزاء ، و «من » في : { مّن ذِكْرِ } مزيدة لتأكيد العموم ، و " من " في { مّن رَّبّهِمُ } لابتداء الغاية ، والاستثناء مفرغ من أعمّ العامّ محله النصب على الحالية من مفعول يأتيهم ، وقد تقدّم تفسير مثل هذه الآية في سورة الأنبياء { فَقَدْ كَذَّبُواْ } أي بالذكر الذي يأتيهم تكذيباً صريحاً ، ولم يكتفوا بمجرّد الإعراض ، وقيل إن الإعراض بمعنى التكذيب ، لأن من أعرض عن شيء ولم يقبله ، فقد كذّبه ، وعلى هذا فيكون ذكر التكذيب للدلالة على صدور ذلك منهم على وجه التصريح ، والأوّل أولى ، فالإعراض عن الشيء : عدم الالتفات إليه . ثم انتقلوا عن هذا إلى ما هو أشدّ منه ، وهو التصريح بالتكذيب ، ثم انتقلوا عن التكذيب إلى ما هو أشدّ منه ، وهو الاستهزاء كما يدلّ عليه قوله : { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أنباؤا مَا كَانُواْ بِه يَسْتَهْزِءونَ } .

/خ22