جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (173)

{ أو تقولوا } عطف على أن تقولوا { إنما أشرك آباؤنا من قبل } قبل زماننا { وكنا ذرية من بعدهم } فاقتدينا بهم { أفتُهلكنا بما فعل المبطلون } الآباء المبطلون بتأسيس الشرك . اعلم أن الأحاديث الصحاح الدالة على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة والنار وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم ففي حديثين موقوفين على ابن عباس{[1755]} وابن عمر{[1756]} -رضي الله عنهم- كما حققه الثقات من المحدثين ووافقهما أكثر السلف والخلف كأبيّ بن كعب ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والسدي وغيرهم وقال بعض السلف والخلف{[1757]} : المراد بهذا الإشهاد أنه خلقهم على فطرة الإسلام ونصب لهم دلائل التوحيد ولظهورها صارت بمنزلة أن قيل لهم : ( ألست بربكم قالوا بلى ) وأنت تعلم أن ابن عباس حبر الأمة وأعلم أن الناس بمعاني القرآن{[1758]} .


[1755]:ذكره السيوطي في (الدر المنثور) (2/259) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن جرير واللالكائي في (السنة)].
[1756]:ذكره السيوطي في (الدر المنثور) (2/261) وعزاه إلى ابن جرير وابن منده في (كتاب الرد على الجهمية).
[1757]:اعلم أن المتأخرين عدلوا عن تفسير الصحابة وعن ما يدل عليه الأحاديث الذي لا يمكن رده وعن ظاهر القرآن لشيئين: الأول أن لو كان المراد ما قالوا لكان المناسب أن يقال: وإذ أخذ ربك من آدم من ظهره الثاني: أنه تعالى جعل علة أخذ العهد هي أن لا يقولوا في القيامة إنا غافلون عن ربوبيتك وإذا كان كذلك فالواجب أن لا ينسيهم الله هذا العهد حتى يكون له فائدة، وإلا فهو كأن لم يكن وقد أشرنا إلى دفع الإشكال الثاني بقولنا ولذلك نصبنا الأدلة على الربوبية. إلخ فلا تغفل وأما الجواب عن الأول فهو أن الله أخرج من نفس آدم أولاده الذين من صلبه ثم من أولاده أولادهم وهكذا إلى أن أخرج جميع بني آدم فأخذ منهم الميثاق ثم ردهم إلى أصلاب آبائهم وهل لمؤمن أن يعتقد تضييقا في قدرة الله تعالى ففي الصحيحين أنه يقال لرجل من أهل النار: أرأيت لو كان لك جميع الدنيا أكنت مفتديا به يقول: نعم فيقال: قد أردت منك أهون من ذلك أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت أن لا تشرك بي/12 منه.
[1758]:مع أن التمثيل بمثل تلك العبارة والحكاية لم يقع في كلام الله ولا في كلام البلغاء/12 وجيز.