السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (173)

وقوله تعالى :

{ أو يقولوا } أي : لو لم ترسل إليهم الرسل ، عطف على { أن يقولوا } ، وقرأ أبو عمرو بالياء على الغيبة ، والباقون بالتاء على الخطاب { إنما أشرك آباؤنا من قبل } أي : قبل أن نوجد { وكنا ذرّية من بعدهم } أي : فلم نعرف لنا مربياً غيرهم ، فكنا لهم تبعاً فشغلنا اتباعهم عن النظر ، ولم يأتنا رسول منبه ، فيتسبب عن ذلك إنكارهم في قولهم : { أفتهلكنا بما فعل المبطلون } أي : من آبائنا ، قال أبو حيان : والمعنى أنّ الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمن العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان : إحداهما : كنا غافلين ، والأخرى : كنا تبعاً لأسلافنا ، فكيف والذنب إنما هو لمن طرّق لنا وأضلنا ، انتهى .

فإن قيل : كيف يكون ذكر الميثاق عليهم حجة فإنهم لما أخرجوا من ظهر آدم ركب فيهم العقل ، وأخذ عليهم الميثاق ، فلما أعيدوا إلى صلبه بطل ما ركب فيهم فتوالدوا ناسين لذلك الميثاق ؟ أجيب : بأن التذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس ، وبذلك قامت الحجة عليهم يوم القيامة لإخبار الرسل إياهم بذلك الميثاق في الدنيا ، فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ، ولزمتهم الحجة ، ولا تسقط الحجة بنسيانهم وعدم حفظهم بعد إخبار الصادق صاحب الشرع والمعجزات الباهرات .

والمقصود من إيراد هذا الكلام هنا إلزام اليهود مقتضى الميثاق العام بعدما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم ، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ، ومنعهم من التقليد .