الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (173)

وقال ( الله ){[26004]} عز وجل : { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل }[ 173 ] ، فخرج منها كل من له آباء مشركون{[26005]} .

وقال أبي بن كعب : جمعهم جميعا ، فجعلهم أزواجا ، ثم صورهم ، ثم استنطقهم ، فقال : { ألست بربكم قالوا بلى } ؛ إنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ثم أخبرهم بما ينزل عليهم من كتاب وما يرسل إليهم من الرسل ، وأمرهم أن يؤمنوا بذلك{[26006]} .

ومن قرأ ب : " الياء " {[26007]} في : { [ أن ] تقولوا }{[26008]}[ 172 ] .

{ أو تقولوا{[26009]} }[ 173 ] ، رده على : { ظهورهم } و : { ذرياتهم } و{ وأشهدهم }[ 172 ] ، وبعدها ، { ولعلهم يرجعون }[ 174 ] . فلما جرى الكلام قبل وبعد على لفظ الغيبة ، أجرى وسطه على ذلك{[26010]} .

ومعنى الكلام : أنهم لما أقروا ، قال الله عز وجل{[26011]} ، للملائكة : " اشهدوا " ، قالت الملائكة : { شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا من بعدهم }[ 172 ، 173 ] .

ومن قرأ ب : " التاء " {[26012]} رده على المخاطبة في قوله : { ألست بربكم } ، وهي أقرب من لفظ الغيبة إلى : { تقولوا }{[26013]} .

قال أبي بن كعب : ولما أخرج الله ( عز وجل{[26014]} ) ، الذرية ، كانت الأنبياء ، ( صلوات الله عليهم{[26015]} ) ، فهم{[26016]} مثل السُّرُج ، عليهم النور ، فخصوا بميثاق آخر : الرسالة والنبوة ، قال تعالى : { وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ومنك ومن نوح{[26017]} } ، الآية . فكان{[26018]} في علمه من يكذب الأنبياء ومن يصدق . قال : وكان روح عيسى ابن مريم ، ( عليه السلام{[26019]} ) ، في تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد ، فأرسل الله{[26020]} ، ( عز وجل{[26021]} ) ، إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا . قال الله جل وعز{[26022]} . { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا{[26023]} } قال : فحملت الذي خاطبها ، وهو روح عيسى{[26024]} ( عليه السلام{[26025]} ) .

قال ابن جبير : فكانوا يُرون{[26026]} أن القلم يومئذ جف بما هو كائن{[26027]} .

ومعنى : { شهدنا أن تقولوا }{[26028]} ، عند السدي : أنه خبر من الله ، ( عز وجل ){[26029]} ، عن نفسه ( تعالى ){[26030]} ، وملائكته بالشهادة على بني آدم كيلا { تقولوا{[26031]} يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين{[26032]} } والوقف على هذا القول { بلى }{[26033]}[ 172 ] .

وقال ابن عباس : المعنى ، إن بعضهم شهد على بعض{[26034]} .

فالمعنى : { قالوا بلى } شهد بعضنا على بعض كيلا { تقولوا{[26035]} يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } ، أي : كل بعض يقول : شهدنا على البعض الباقي{[26036]} ، كيلا يقولوا{[26037]} : كذا .

{ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل }[ 173 ] : واتبعناهم ، { أفتهلكنا }[ 173 ] بإشراك{[26038]} آبائنا واتباعنا{[26039]} مناهجهم{[26040]} على جهل منا{[26041]} ؟

فالوقف على قول ابن عباس : { المبطلون }[ 173 ]{[26042]} .

و{ بلى } وقف عند نافع ، والأخفش ، وأبي حاتم ، وغيرهم{[26043]} . وهذا يدل على أن الشهادة كانت من الله ( عز وجل{[26044]} ) ، وملائكته على المقرين . وهو قول مجاهد ، والضحاك ، والسدي{[26045]} . وهذا حسن على قراءة [ من قرأ{[26046]} ] ب : " التاء " {[26047]} ، فيكون { شهدنا } ، ليس من كلام الذين قالوا : { بلى }{[26048]} .

ومن قرأ ب " الياء " {[26049]} فأكثر أهل العربية يقولون : [ { أن تقولوا } متعلقة ب : { وأشهدهم }{[26050]} ، والمعنى : وأشهدهم على أنفسهم كراهة ]{[26051]} { وأن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا/غافلين } ، فالتمام ( على هذا ){[26052]} : { المبطلون } .

وقال ابن الأنباري{[26053]} والسجستاني { بلى شهدنا } ، التمام{[26054]} ، وهو غلط ؛ لأن { أن } متعلقة ب : { أشهدهم } أو ب : { شهدنا } على قراءة من قرأ ب : " الياء " {[26055]} .

فأما على تفسير ابن عباس : أن{[26056]} المعنى : [ و ]{[26057]} شهد بعضهم على بعض ، فالتمام : { المبطلون }{[26058]} لأن { شهدنا } ، من قول الذين قالوا : { بلى } .

ومعنى : { أفتهلكنا } ، أي : لست تفعل ذلك{[26059]} .


[26004]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر" وفي ج: جل وعز.
[26005]:إعراب القرآن للنحاس 2/162. وينظر: تفسير القرطبي 7/201.
[26006]:جامع البيان 13/238، بتصرف. وينظر فيه تعليق الشيخ شاكر، فقد صحح إسناده، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1615، وتفسير ابن كثير 2/263، والدر المنثور 3/600.
[26007]:وهي قراءة أبي عمرو وحده. الكشف 1/483، وكتاب السبعة في القراءات 298، وحجة القراءات لأبي زرعة 302، وإعراب القراءات السبع 1/215، والتيسير 94، وتفسير القرطبي 7/202.
[26008]:زيادة من نص التلاوة.
[26009]:في الأصل: أن يقولوا، وهو سهو ناسخ.
[26010]:انظر: مزيد بيان في الكشف 1/483، 484، وحجة القراءات لأبي زرعة 302، وتفسير القرطبي 7/202.
[26011]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[26012]:وهي قراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي. مصادر قراءة "الياء" نفسها.
[26013]:انظر: الكشف 1/484، وفيه: "...، وهو الاختيار، لصحة معناه؛ ولأن الجماعة عليه". ويذهب الطبري في جامع البيان 13/251، إلى: "أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، متفقتا التأويل، وإن اختلفت ألفاظهما؛ لأن العرب تفعل ذلك في الحكاية، كما قال الله: {لتبيننه للناس} و(ليبيننه). آل عمران187".
[26014]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26015]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[26016]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي جامع البيان 13/239، "...، وفيهم الأنبياء عليهم السلام، يومئذ مثل السُّرج...".
[26017]:الأحزاب/7، وتمامها: {وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}.
[26018]:في "ج": وكان.
[26019]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و "ر".
[26020]:في "ج"، ورقة 302، سطر 20: فأرسل ذلك إلى مريم.
[26021]:ما بين الهلالين ساقط من "ر" أيضا.
[26022]:في ج: عز وجل.
[26023]:مريم: 10.
[26024]:قطعة من أثر طويل، سلف جزء منه قريبا. انظر: جامع البيان 13/238، 239 وتفسير ابن أبي حاتم 5/1615، وتفسير ابن كثير 2/263، والدر المنثور 3/600.
[26025]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[26026]:"يرون...، بضم الياء وفتح الراء، بالبناء للمجهول، بمعنى يظنون ذلك ويقدرونه. شاكر.
[26027]:جزء من أثر، أخرجه الطبري في جامع البيان 13/226، و228، بسنده، من طريقين: ...، عن سعيد، عن ابن عباس. وانظر: فيه تعليق شاكر على الأثر.
[26028]:في الأصل: و"ر". وفي ورقة 37، سطر 31، سطر 31،: (أن يقولوا)، وهي قراءة أبي عمرو، كما سلف.
[26029]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر". وفي "ج": وملائكته، بين الواو والميم، حرف عسير القراءة.
[26030]:جزء من أثر أخرجه الطبري في جامع البيان 13/226 و228 بسنده من طريقين...عن سعيد عن ابن عباس وانظر فيه تعليق شاكر على الأثر.
[26031]:في المخطوطات الثلاث،: "يقولوا" بالياء. انظر: ما سلف أعلاه.
[26032]:انظر: جامع البيان 13/249، 250، فقد تصرف مكي، في صياغة الأثر، بحيث مزجه بتأويل الطبري.
[26033]:انظر: شرح كلا وبلى ونعم والوقف على كل واحدة منهن 87، والقطع والإئتناف 343، 344، والمكتفى 278، 279، وعلل الوقوف 2/522ن والمقصد لتلخيص ما في المرشد 153، ومنار الهدى 153.
[26034]:مضى توثيقه قريبا.
[26035]:في الأصل: "يقولوا". وفي "ر"، أفسدته الرطوبة والأرضة. وقد مضى التعليق عليه.
[26036]:في الأصل: الباقي، وهو تصحيف وفي "ر" أفسدته الرطوبة والأرضة.
[26037]:في الأصل/ و"ر": يقول.
[26038]:في جامع البيان 13/251، الذي نقل عنه مكي، "بإشراك من أشرك من...".
[26039]:في "ج": واتباع.
[26040]:في الأصل: منها فهم، وهو تحريف لا معنى له.
[26041]:جامع البيان 13/251، بتصرف يسير، وتمام نصه: بالحق؟
[26042]:وهو قطع حسن، وليس بتمام، كما في القطع والإئتناف 344. وكاف، في منار الهدى 154.
[26043]:انظر: المكتفى 278.
[26044]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26045]:انظر: جامع البيان 13/232، و249، والقطع والإئتناف 344، والمكتفى 278، 279، وتفسير القرطبي 7/202.
[26046]:زيادة من "ج" و"ر".
[26047]:في "ج": بالياء، وهو تصحيف.
[26048]:انظر: تفسير القرطبي 7/202.
[26049]:في الأصل: بالتاء، وهو تصحيف. وفي "ر" أفسدته الرطوبة.
[26050]:انظر: القطع والإئتناف 344، والمكتفى 280، ومنار الهدى 153.
[26051]:من "ج" و"ر" وفي ج: كراهية.
[26052]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26053]:هو: محمد بن القاسم بن بشار، الأنباري، أبو بكر، النحوي اللغوي، له مؤلفات كثيرة منها: الإيضاح في الوقف والابتداء. توفي سنة 328هـ. انظر: طبقات الزبيدي 153، 154، وبغية الوعاة 1/212، وما بعدها. وقد وهم مكي، رحمه الله، في نسبة هذا القول إلى ابن الأنباري، الذي منع الوقف على {بلى}، وعلى {شهدنا}، معللا تعليل مكي نفسه. انظر: المكتفى 278، والمقصد لتلخيص ما في المرشد 153، ومنار الهدى 153.
[26054]:القطع والإئتناف 343، بلفظ: وهو قول أبي حاتم وأحمد بن موسى، [ابن العباس بن مجاهد، أبو بكر، صاحب كتاب: التسعة في القراءات، توفي سنة 324هـ، انظر: معرفة القراء الكبار 1/269]. انظر: المكتفى 278.
[26055]:في الأصل: و"ر"، وفي ورقة 38، سطر 12: بـ "التاء"، وهو تصحيف، وسلف التعليق عليه قريبا، فانظره.
[26056]:في "ج": فالمعنى: وشهد...
[26057]:زيادة من "ج" و"ر".
[26058]:سلفت الإشارة إلى هذا الوقف مرتين.
[26059]:إعراب القرآن للنحاس 2/163، وتفسير القرطبي 7/202.