معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ} (41)

وقوله : { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنا قَلِيلاً . . . }

وكل ما كان في القرآن من هذا قد نُصِبَ فيه الثَّمَنُ وأدخلت الباء في المبيوع أو المشترىَ ، فإن ذلك أكثر ما يأتي في الشيئين لا يكونان ثَمَنا معلوما مثل الدنانير والدراهم ؛ فمن ذلك : اشتريتُ ثوبا بكساء ؛ أيَّهما شئتَ تجعلْه ثَمَنا لصاحبه ؛ لأنه ليس من الأثمان ، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدُّور وجميع العُروض فهو على هذا . فإن جئت إلى الدراهم والدنانير وضعتَ الباء في الثَّمن ، كما قال في سورة يوسف : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ؛ لأن الدراهم ثمنٌ أبدا ، والباء إنما تدخل في الأثمان ، فذلك قوله : { اشْتَرَوْا بآيَاتِ اللّهِ ثَمَنا قَلِيلاً } ، { اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } ، { اشتروا الضلالة بالهدى } { والعذاب بالمغفرة } ، فأدخِل الباء في أي هذين شئتَ حتى تصير إلى الدنانير والدراهم فإنك تُدخل الباء فيهن مع العُروض ، فإذا اشتريتَ أحدهما [ يعني الدنانير والدراهم ] بصاحبه أدخلت الباء على أيِّهما شئت ؛ لأن كل واحد منهما في هذا الموضع بيعٌ وثمنٌ ، فإن أحببت أن تعرف فرق ما بين العُروض وبين الدراهم ، فإنك تعلم أن من اشترى عبدا بألفِ درهم معلومة ، ثم وَجد به عيبا فردّه لم يكن له على البائع أن يأخذ ألفه بعينه ، ولكن ألفا . ولو اشترى عبدا بجارية ثم وجد به عيبا لم يرجع بجارية أخرى مثلها ، فذلك دليل على أن العُروض ليست بأثمان .

/خ48