معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

وقوله : { اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ [ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ] . . . }

المعنى لا تنسَوْا نعمتي ، لتكن منكم على ذُكْر ، وكذلك كل ما جاء من ذكر النعمة فإن معناه - والله أعلم - على هذا : فاحفظوا ولا تَنْسَوا . وفي حرف عبد الله : " ادَّكِروا " . وفي موضع آخر : " وتَذَكَّروا ما فيه " . ومثله في الكلام أن تقول : " اذكُرْ مَكاني مِنْ أبيك " .

وأما نصب الياء من " نِعْمَتِي " فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان : الإرسالُ والسّكون ، والفتح ، فإذا لَقيتْها ألفٌ ولام ، اختارت العربُ اللغة التي حرّكت فيها الياء وكرِهوا الأخرى ؛ لأن اللاّم ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها ، فاستقبحوا أن يقولوا : نعمتِي التي ، فتكونَ كأنها مخفوضة على غير إضافة ، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما . وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام ؛ وقد قال الله : { يا عِبَادِي الّذِيِنَ أَسْرَفُوا على أَنْفُسِهِمْ } فقرئت بإِرسال الياء ونصبها ، وكذلك ما كان في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان ، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب .

وأما قوله : { فَبَشِّرْ عِبَادِ . الّذِيِنَ يَسْتمِعُونَ الْقَوْلَ } . فإن هذه بغير ياء ، فلا تنصب ياؤها وهي محذوفة ؛ وعلى هذا يقاس كل ما في القرآن منه .

وقوله : { فما آتَانِي اللّهُ خَيْرٌ مِما آتَاكُمْ } زعم الكسائي أن العرب تستحبُّ نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام ، مثل قوله : { إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على اللّهِ } و { إِنِّي أَخَافُ اللّهَ } . ولم أر ذلك عند العرب ؛ رأيتهم يرسلون الياء فيقولون : عندِي أبوك ، ولا يقولون : عندي أبوك بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة في الياء في هذا ومثله . وأما قولهم : لِي ألفان ، وبِي أخواك كفيلان ، فإنهم ينصبون في هذين لقلتهما ، [ فيقولون : لي أخواك ، ولِيَ ألفان ، لقلتهما ] والقياس فيهما وفيما قبلهما واحد .